الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام لأنّ في الخبر الواقع بعده تسلية له عمّا تضمّنه قوله : { وهم ينهون عنه وينأون عنه } [ الأنعام : 26 ] فإنّه ابتدأ فعقّبه بقوله : { وإن يهلكون إلاّ أنفسهم } [ الأنعام : 26 ] ثم أردفه بتمثيل حالهم يوم القيامة . ويشترك مع الرسول في هذا الخطاب كلّ من يسمع هذا الخبر .
و { لو } شرطية ، أي لو ترى الآن ، و { إذ } ظرفية ، ومفعول { ترى } محذوف دلّ عليه ضمير { وقفوا } ، أي لو تراهم ، و { وقفوا } ماض لفظاً والمعنيّ به الاستقبال ، أي إذ يوقفون . وجيء فيه بصيغة الماضي للتنبيه على تحقيق وقوعه لصدوره عمّن لا خلاف في خبره .
ومعنى : { وقفوا على النار } أبلغوا إليها بعد سير إليها ، وهو يتعدى ب { على }.والاستعلاء المستفاد ب { على } مجازي معناه قوّة الاتّصال بالمكان ، فلا تدلّ ( على ) على أنّ وقوفهم على النار كان من أعلى النار . وقد قال تعالى : { ولو ترى إذ وقفوا على ربّهم } [ الأنعام : 30 ] ، وأصله من قول العرب : وقفت راحلتي على زيد ، أي بلغت إليه فحبسْت ناقتي عن السير . قال ذو الرمّة
وقفتُ على ربع لميّة ناقتي: ...
فما زلتُ أبكي عنده وأخاطبه ... فحذفوا مفعول ( وقفت ) لكثرة الاستعمال . ويقال : وقفه فوقف ، ولا يقال : أوقفه بالهمزة .
وعطف عليه { فقالوا } بالفاء المفيدة للتعقيب ، لأنّ ما شاهدوه من الهول قد علموا أنّه جزاء تكذيبهم بإلهام أوقعه الله في قلوبهم أو بإخبار ملائكة العذاب ، فعجّلوا فتمنّوا أن يرجعوا .
وحرف النداء في قولهم : { يا ليتنا نردّ } مستعمل في التحسّر ، لأنّ النداء يقتضي بُعد المنادى ، فاستعمل في التحسّر لأنّ المتمنّى صار بعيداً عنهم ، أي غير مفيد لهم ، كقوله تعالى : { أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله } [ الزمر : 56 ].
ومعنى { نردّ } نرجع إلى الدنيا؛ وعطف عليه { ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين } برفع الفعلين بعد ( لا ) النافية في قراءة الجمهور عطفاً على { نُردّ } ، فيكون من جملة ما تمنّوه ، ولذلك لم ينصب في جواب التمنِّي إذ ليس المقصود الجزاء ، ولأنّ اعتبار الجزاء مع الواو غير مشهور ، بخلافه مع الفاء لأنّ الفاء متأصّلة في السببية . والردّ غير مقصود لذاته وإنّما تمنّوه لما يقع معه من الإيمان وترك التكذيب . وإنّما قدّم في الذكر ترك التكذيب على الإيمان لأنّه الأصل في تحصيل المتمنّى على اعتبار الواو للمعية واقعة موقع فاء السببية في جواب التمنّي .
وقرأه حمزة والكسائي { ولا نكذّب ونكونَ } بنصب الفعلين ، على أنّهما منصوبان في جواب التمنِّي . وقرأ ابن عامر { ولا نكذّب } بالرفع كالجمهور ، على معنى أنّ انتفاء التكذيب حاصل في حين كلامهم ، فليس بمستقبل حتى يكون بتقدير ( أن ) المفيدة للاستقبال . وقرأ { ونكون } بالنصب على جواب التمنِّي ، أي نكون من القوم الذين يعرفون بالمؤمنين .
والمعنى لا يختلف .