تفسير الطبري - Al-Tabari   سورة  يونس الأية 16


سورة Sura   يونس   Yunus
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20)
الصفحة Page 210
قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه ، معرِّفَه الحجةَ على هؤلاء المشركين الذين قالوا له : ( ائت بقرآن غير هذا أو بدله) ، (قل) لهم ، يا محمد ، (لو شاء الله ما تلوته عليكم) ، أي: ما تلوت هذا القرآن عليكم ، أيها الناس ، بأن كان لا ينـزله عليَّ فيأمرني بتلاوته عليكم (8) ، (ولا أدراكم به) ، يقول: ولا أعلمكم به ، ( فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله) يقول: فقد مكثت فيكم أربعين سنة من قبل أن أتلوَه عليكم ، ومن قبل أن يوحيه إليّ ربي ، (أفلا تعقلون) ، أني لو كنت منتحلا ما ليس لي من القول، كنت قد انتحلته في أيّام شبابي وحَداثتي ، وقبل الوقت الذي تلوته عليكم؟ فقد كان لي اليوم ، لو لم يوح إليّ وأومر بتلاوته عليكم ، مندوحةٌ عن معاداتكم ، ومتّسَعٌ، في الحال التي كنت بها منكم قبل أن يوحى إلي وأومر بتلاوته عليكم.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

17581- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ولا أدراكم به) ، ولا أعلمكم.

17582- حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به) ، يقول: لو شاء الله لم يعلمكموه.

17583- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به) ، يقول: ما حذَّرتكم به.

17584- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ، وهو قول مشركي أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله أفلا تعقلون) ، لبث أربعين سنة.

17585- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به)، ولا أعلمكم به.

17586- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن، أنه كان يقرأ: (وَلا أَدْرَأْتُكُمْ بِهِ)، يقول: ما أعلمتكم به. (9)

17587- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولا أدراكم به) ، يقول: ولا أشعركم الله به.

* * *

قال أبو جعفر: وهذه القراءة التي حكيت عن الحسن ، عند أهل العربية غلطٌ.

* * *

وكان الفرّاء يقول في ذلك : قد ذكر عن الحسن أنه قال: (وَلا أَدْرَأْتُكُمْ بِهِ). قال: فإن يكن فيها لغة سوى " دريت " و " أدريت "، فلعل الحسن ذهب إليها. وأما أن تصلح من " دريت " أو " أدريت " فلا لأن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما وسكنتا صحتا ولم تنقلبا إلى ألف ، مثل " قضيت " و " دعوت ". ولعل الحسن ذهب إلى طبيعته وفصاحته فهمزها، لأنها تضارع " درأت الحد " ، وشبهه. وربما غلطت العرب في الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز فيهمزون غير المهموز. وسمعت امرأة من طيّ تقول: " رثَأْتُ زوجي بأبيات "، ويقولون: " لبّأتُ بالحجّ" و " حلأت السويق " ، فيغلطون، لأن " حلأت "، قد يقال في دفع العطاش، من الإبل، و " لبأت ": ذهبت به إلى " اللبأ " لِبَأ الشاء، و " رثأت زوجي"، ذهبت به إلى " رثأت اللبن " ، إذا أنت حلبت الحليب على الرائب، فتلك " الرثيثة ". (10)

* * *

وكان بعض البصريين يقول: لا وجه لقراءة الحسن هذه لأنها من " أدريت " مثل " أعطيت "، إلا أن لغةً لبني عقيل (11)

: " أعطَأتُ"، يريدون: " أعطيت "، تحوّل الياء ألفًا، قال الشاعر: (12)

لَقَــدْ آذَنَــتْ أَهْـلُ الْيَمَاَمَـةِ طَيِّـئٌ

بِحَــرْبٍ كَنَاصَـاةِ الأَغَـرِّ المُشَـهَّرِ (13)

يريد: كناصية، حكي ذلك عن المفضّل، وقال زيد الخيل:

لَعَمْـرُكَ مَـا أَخْشَـى التَّصَعْلُكَ مَا بَقَا

عَـلَى الأَرْضِ قَيْسِـيٌّ يَسُـوقُ الأَبَاعِرَا (14)

فقال " بقا "، وقال الشاعر : (15)

لَزَجَــرْتُ قَلْبًــا لا يَـرِيعُ لِزَاجِـرٍ

إِنَّ الغَــوِيَّ إِذَا نُهَــا لَــمْ يَعْتِـبِ (16)

يريد " نُهِي". قال: وهذا كله على قراءة الحسن، وهي مرغوب عنها، قال: وطيئ تصيِّر كل ياء انكسر ما قبلها ألفًا، يقولون: " هذه جاراة "، (17)

وفي " الترقوة " " ترقاة " و " العَرْقوة " " عرقاة " . قال: وقال بعض طيئ: " قد لَقَت فزارة " ، حذف الياء من " لقيت " لما لم يمكنه أن يحوّلها ألفًا ، لسكون التاء ، فيلتقي ساكنان. وقال: زعم يونس أن " نَسَا " و " رضا " لغة معروفة، قال الشاعر: (18)

وَأُبْنِيْـتُ بِـالأَعْرَاض ذَا الْبَطْـنِ خالِدًا

نَسَــا أوْ تَنَاسَــى أَنْ يَعُـدَّ المَوَالِيَـا

* * *

ورُوي عن ابن عباس في قراءة ذلك أيضًا روايةٌ أخرى، وهي ما:-

17588- حدثنا به المثنى قال ، حدثنا المعلى بن أسد قال ، حدثنا خالد بن حنظلة عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس : أنه كان يقرأ: ( قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ).

* * *

قال أبو جعفر : والقراءة التي لا نستجيزُ أن نعدوها ، (19) هي القراءة التي عليها قراء الأمصار: ( قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ )، بمعنى: ولا أعلمكم به، ولا أشعركم به.

-------------------------

الهوامش :

(8) انظر تفسير " تلا " فيما سلف ص : 40 ، رقم : 1 .

(9) في المخطوطة : " ولا أدرأكم " ، وفي المطبوعة : " ولا أدراتكم " ، بغير همز ، والصواب ما أثبت ، كما نص عليه ابن خالويه في شواذ القراءات ص : 56 : " بالهز والتاء " ، ومعاني القرآن للفراء .

(10) هذا نص الفراء بتمامه في معاني القرآن 1 : 459 ، مع خلاف يسير في حروف قليلة .

(11) في المطبوعة : " لغة بني عقيل " ، والصواب ما في المخطوطة ، باللام .

(12) هو حريث بن عناب ( بالنون ) الطائي .

(13) نوادر أبي زيد : 124 ، والمعاني الكبير : 1048 ، واللسان ( نصا ) .

(14) نوادر أبي زيد : 68 ، وقبله

أُنْبِئْــتُ أَنَّ ابْنًــا لِتَيْمَــاءَ هَهَنَــا

تَغَنَّــى بِنَــا سَـكْرَانَ أَوْ مُتَسَـاكِرًا

يَحُــضُّ عَلَيْنَــا عَـامِرًا , وِإَخالُنَـا

سَــنُصْبِحُ أَلْفًـا ذَا زَوَائِـدَ , عـامِرًا

قال أو زيد : " يقول : لا أخشى ما بقي قيس يسوق إبلا ، لأني أغير عليهم " .

(15) هو لبيد .

(16) ديوانه قصيدة رقم : 61 ، والأغاني 15 : 134 ( ساسي ) ، من مرثية أخيه أربد ، وقبله :

طَــرِبَ الفُـؤَادُ وَلَيْتَـهُ لَـمْ يُطْـرَبِ

وَعَنَــاهُ ذِكْـرَى خُلَّـةٍ لـم تَصْقَـبِ

سَـفَهًا , وَلَـوْ أنّـي أطَعـتُ عَوَاذِلِي

فيمــا يُشِـرْنَ بِـهِ بِسَـفْحِ المِـذْنِبِ

لَزَجَـــــرْتُ قَلْبًـــــا . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والذي أثبته هو نص المخطوطة ، أما المطبوعة ، فإنه لم يحسن معرفة الشعر ، فكتبه هكذا : " زجرت له : و " أعتب " ، آب إلى رضى من يعاتبه .

(17) يعني في " جارية " .

(18) لم أعرف قائله ، ولم أجد البيت في مكان آخر .

(19) في المطبوعة : " لا أستجيز أن تعدوها " ، وأثبت ما في المخطوطة .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022