القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما أنجى الله هؤلاء الذين ظنُّوا في البحر أنهم أحيط بهم ، من الجهد الذي كانوا فيه، أخلفوا الله ما وعدُوه، وبغوا في الأرض، فتجاوزوا فيها إلى غير ما أذن الله لهم فيه ، من الكفر به ، والعمل بمعاصيه على ظهرها. (11)
يقول الله: يا أيها الناس ، إنما اعتداؤكم الذي تعتدونه على أنفسكم ، وإياها تظلمون. وهذا الذي أنتم فيه ، (متاع الحياة الدنيا)، يقول: ذلك بلاغ تبلغون به في عاجل دنياكم. (12)
* * *
وعلى هذا التأويل، " البغي" يكون مرفوعًا بالعائد من ذكره في قوله: (على أنفسكم) (13) ويكون قوله ( متاع الحياة الدنيا ) ، مرفوعًا على معنى: ذلك متاع الحياة الدنيا، كما قال: لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ ، [سورة الأحقاف: 35] ، بمعنى: هذا بلاغ.
وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك: إنما بغيكم في الحياة الدنيا على أنفسكم، لأنكم بكفركم تكسبونها غضبَ الله، متاع الحياة الدنيا، كأنه قال: إنما بغيكم متاعُ الحياة الدنيا، فيكون " البغي" مرفوعًا ب " المتاع "، و " على أنفسكم " من صلة " البغي".
* * *
وبرفع " المتاع " قرأت القراء سوى عبد الله بن أبي إسحاق ، فإنه نصبه ، بمعنى: إنما بغيكم على أنفسكم متاعًا في الحياة الدنيا، فجعل " البغي" مرفوعًا بقوله: (على أنفسكم) ، و " المتاع " منصوبًا على الحال. (14)
* * *
وقوله: (ثم إلينا مرجعكم) يقول: ثم إلينا بعد ذلك معادكم ومصيركم، وذلك بعد الممات (15) ، يقول: فنخبركم يوم القيامة بما كنتم تعملون في الدنيا من معاصي الله، ونجازيكم على أعمالكم التي سلفت منكم في الدنيا. (16)
------------------------
الهوامش :
(11) انظر تفسير " البغي " فيما سلف 12 : 403 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(12) انظر تفسير " المتاع " فيما سلف 14 : 340 ، تعليق 3 ، والمراجع هناك .
(13) قراءتنا في مصحفنا اليوم ، في مصر وغيرها ، بنصب " متاع " ، وهي القراءة الأخرى التي سيذكرها أبو جعفر ، ولكنه جرى فيما سلف على تفسير قراءة الرفع .
(14) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 461 ، في تأويل القراءتين .
(15) انظر تفسير " المرجع " فيما سلف ص : 20 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(16) انظر تفسير " النبأ " فيما سلف ص : 46 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .