تفسير الطبري - Al-Tabari   سورة  الأنعام الأية 110


سورة Sura   الأنعام   Al-An'aam
ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)
الصفحة Page 141
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)

القول في تأويل قوله تعالى : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معنى ذلك: لو أنَّا جئناهم بآية كما سألوا، ما آمنوا، كما لم يؤمنوا بما قبلَها أول مرة, لأن الله حال بينهم وبين ذلك :

* ذكر من قال ذلك:

13751- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) الآية, قال: لما جحد المشركون ما أنـزل الله، لم تثبت قلوبهم على شيء، ورُدَّتْ عن كل أمر .

13752- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم)، قال: نمنعهم من ذلك، كما فعلنا بهم أول مرة . وقرأ: (كما لم يؤمنوا به أول مرة) .

13753- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم)، قال: نحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون, كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة .

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم لو رُدُّوا من الآخرة إلى الدنيا فلا يؤمنون، كما فعلنا بهم ذلك, فلم يؤمنوا في الدنيا . قالوا: وذلك نظير قوله وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ، [سورة الأنعام: 28] .

* ذكر من قال قال ذلك:

13754- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قال: أخبر الله سبحانه ما العبادُ قائلون قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه. قال: وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ : أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ، [سورة الزمر: 56-58]، يقول: من المهتدين . فأخبر الله سبحانه أنهم لو رُدُّوا [إلى الدنيا، لما استقاموا] على الهدى، و[قال]: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ , (68) وقال: " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة " ، قال: لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى, كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا .

* * *

قال أبو جعفر: وأولى التأويلات في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه، أخبر عن هؤلاء الذين أقسموا بالله جهدَ أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها: أنَّه يقلب أفئدتهم وأبصارهم ويصرِّفها كيف شاء, وأنّ ذلك بيده يقيمه إذا شاء، ويزيغه إذا أراد= وأنّ قوله: (كما لم يؤمنوا به أول مرة)، دليل على محذوف من الكلام= وأنّ قوله: " كما " تشبيه ما بعده بشيء قبله .

وإذْ كان ذلك كذلك, فالواجب أن يكون معنى الكلام: ونقلب أفئدتَهم، فنـزيغها عن الإيمان, وأبصارَهم عن رؤية الحق ومعرفة موضع الحجة, وإن جاءتهم الآية التي سألوها، فلا يؤمنوا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله، كما لم يؤمنوا بتقليبنا إياها قبلَ مجيئها مرَّة قبل ذلك .

* * *

وإذا كان ذلك تأويله، كانت " الهاء " من قوله: (كما لم يؤمنوا به)، كناية ذكر " التقليب " .

* * *

القول في تأويل قوله تعالى : وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونذر هؤلاء المشركين الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها عند مجيئها (69) = في تمرُّدهم على الله واعتدائهم في حدوده, (70) يتردَّدون، لا يهتدون لحق، ولا يبصرون صوابًا, (71) قد غلب عليهم الخِذْلان، واستحوذ عليهم الشيطانُ .

-------------------------

الهوامش :

(68) في المطبوعة : (( فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ... )) حذف بعض ما في المخطوطة . وفي المخطوطة : (( فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا على الهدى وقال : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ... )) فأثبت نص المخطوطة ، وزدت ما زدته بين القوسين حتى ستقيم الكلام .

(69) انظر تفسير (( يذر )) فيما سلف 11 : 529 ، تعليق : 2 والمراجع هناك .

(70) انظر تفسير (( الطغيان )) فيما سلف 10 : 475 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .

(71) انظر تفسير (( العمه )) فيما سلف 1 : 309 - 311 .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022