تفسير الطبري - Al-Tabari   سورة  الأعراف الأية 78


سورة Sura   الأعراف   Al-A'raaf
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)
الصفحة Page 160
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)

القول في تأويل قوله : فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين عقروا الناقةَ من ثمود =(الرجفة)، وهي الصيحة.

* * *

و " الرجفة " ،" الفعلة "، من قول القائل: " رجَف بفلان كذا يرجُفُ رجْفًا "، وذلك إذا حرَّكه وزعزعه، كما قال الأخطل:

إِمَّـا تَـرَيْنِي حَنَـانِي الشَّـيْبُ مِنْ كِبَرٍ

كَالنَّسْـرِ أَرْجُـفُ , وَالإنْسَـانُ مَهْدُودُ (7)

وإنما عنى بـ" الرجفة " ، ها هنا الصيحة التي زعزعتهم وحركتهم للهلاك، لأن ثمود هلكت بالصيحة ، فيما ذكر أهل العلم.

* * *

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14828-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: " الرجفة " ، قال: الصيحة.

14829-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

14830-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( فأخذتهم الرجفة ) ، وهي الصيحة.

14831-حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: ( فأخذتهم الرجفة ) ، قال: الصيحة.

* * *

وقوله: ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) ، يقول: فأصبح الذين أهلك الله من ثمود=(في دارهم)، يعني في أرضهم التي هلكوا فيها وبلدتهم.

* * *

ولذلك وحَّد " الدار " ولم يجمعها فيقول " في دورهم "= وقد يجوز أن يكون أريد بها الدور، ولكن وجَّه بالواحدة إلى الجميع، كما قيل: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) [العصر: 1-2].

* * *

وقوله: ( جاثمين ) ، يعني: سقوطًا صرعَى لا يتحركون ، لأنهم لا أرواح فيهم ، قد هلكوا. والعرب تقول للبارك على الركبة: " جاثم "، ومنه قول جرير:

عَــرَفْتُ المُنْتَـأَى , وَعَـرَفْتُ مِنْهَـا

مَطَايَــا القِــدْرِ كَــالحِدَإِ الجُـثُومِ (8)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14832-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) ، قال: ميتين.

--------------------

الهوامش :

(7) ديوانه: 146 من قصيدة له جيدة ، قالها في يزيد بن معاوية ، وذكر فيها الشباب ذكرًا عجبًا ، وقد رأى إعراض الغواني عنه من أجله ، يقول بعده:

وَقَـدْ يَكُـونُ الصِّبَـى مِنِّـي بِمَنْزِلَـةٍ

يَوْمًـا ، وتَقْتَـادُنِي الهِيـفُ الرَّعَـادِيدُ

يَـا قَـلَّ خَيْرُ الغَوَانِي ، كيف رُغْنَ بِهِ

فَشُــرْبُهُ وَشَــلٌ فِيهِــنَّ تَصْرِيـدُ

أَعْـرَضْنَ مِنْ شَمَطٍ في الرَّأْسِ لاحَ بِهِ

فَهُــنّ مِنْـهُ ، إِذَا أَبْصَرْنَـهُ ، حِـيدُ

قَـدْ كُـنَّ يَعْهَـدْنَ مِنِّي مَضْحَكًا حَسَنًا

وَمَفْرِقًــا حَسَــرَتْ عَنْـهُ العَنَـاقِيدُ

فَهُـنَّ يَشْـدُونَ مِنِّـي بَعْـضَ مَعْرِفَةٍ،

وَهُــنَّ بـالوُدِّ ، لا بُخْـلٌ ولا جُـودُ

قَـدْ كَـانَ عَهْـدِي جَدِيدًا ، فَاسْتُبِدَّ بِهِ،

وَالعَهْـدُ مُتَّبَـعٌ مَـا فِيـهِ ، مَنشُـودُ

يَقُلْـنَ : لا أَنْـتَ بَعْـلٌ يُسْـتَقَادُ لَـهُ،

وَلا الشَّـبَابُ الَّـذِي قَـدْ فَـاتَ مَرْدُودُ

هَـلْ لِلشَّـبَابِ الـذي قَدْ فَاتَ مرْدُودُ ?

أَمْ هَـلْ دَوَاءٌ يَـرُدُّ الشِّـيبَ مَوْجُودُ ?

لَـنْ يَرْجِـعَ الشِّيبُ شُبَّانًا ، وَلَنْ يَجِدُوا

عِــدْلَ الشَّـبَابِ ، مَـا أَوْرَقَ العُـودُ

إِنَّ الشَّــبَابَ لَمَحْــمُودٌ بَشَاشَــتُهُ

والشَّـيْبُ مُنْصَـرفٌ عَنْـهُ وَمَصْـدُودُ

وهي أبيات ملئت عاطفة وحزنًا وحسرة ، فاحفظها.

(8) ديوانه: 507 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 218 ، من قصيدته في هشام بن عبد الملك ، مضى منها بيت فيما سلف 1: 170.

يقول قبله:

وَقَفْـتُ عَـلَى الدِّيَـارِ ، وَمَـا ذَكَرْنَـا

كَـــدَارٍ بَيْــنَ تَلْعَــةَ والنَّظِيــم

و"المنتأى" ، حفير النؤى حول البيت. و"مطايا القدر" ، أثافيها ، تركبها القدر فهي لها مطية. وجعلها كالحدإ الجثوم ، لسوادها من سخام النار.

وكان في المخطوطة: "عرفت الصاى" ، غير منقوطة ، وخطأ ، صوابه ما في المطبوعة.

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022