عطف على جلمة { لا تعبدوا إلا الله } [ هود : 2 ] وهو تفسير ثان يرجع إلى ما في الجملة الأولى من لفظ التفصيل ، فهذا ابتداء التفصيل لأنه بيان وإرشاد لوسائل نبذ عبادة ما عدا الله تعالى ، ودلائلُ على ذلك وأمثالٌ ونذر ، فالمقصود : تقسيم التفسير وهو وجه إعادة حرف التفسير في هذه الجملة وعدم الاكتفاء بالذي في الجملة المعطوف عليها .
والاستغفار : طلب المغفرة ، أي طلب عدم المؤاخذة بذنب مضى ، وذلك الندم .
والتوبة : الإقلاع عن عَمَل ذنب ، والعزمُ على أن لا يعود إليه .
و ( ثُم ) للترتيب الرتبي ، لأن الاعتراف بفساد ما هم فيه من عبادة الأصنام أهم من طلب المغفرة ، فإنّ تصحيح العزم على عدم العودة إليها هو مسمى التوبة ، وهذا ترغيب في نبذ عبادة الأصنام وبيان لما في ذلك من الفوائد في الدنيا والآخرة .
والمتاع : اسم مصدر التمتيع لما يُتمتع به ، أي يُنتفع . ويطلق على منافع الدنيا . وقد تقدم عند قوله تعالى : { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } في سورة [ الأعراف : 24 ].
والحَسَن : تقييد لنوع المتاع بأنه الحَسن في نوعه ، أي خالصاً من المكدرات طويلاً بقاؤه لصاحبه كما دل عليه قوله : إلى أجل مسمى }. والمراد بالمتاع : الإبقاءُ ، أي الحياة ، والمعنى أنه لا يستأصلهم . ووصفه بالحسن لإفادة أنها حياة طيبة .
و { إلى أجل } متعلق ب { يمتعكم } وهو غاية للتمتيع ، وذلك موعظة وتنبيه على أن هذا المتاع له نهاية ، فعلم أنه متاع الدنيا . والمقصود بالأجَل : أجل كل واحد وهو نهاية حياته ، وهذا وعد بأنه نعمة باقية طول الحياة .
وجملة : { يُؤْت كل ذي فضل فضله } عطف على جملة : { يمتعكم }. والإيتاء : الإعطاء ، وذلك يدل على أنه مِن المتاع الحسن ، فيعلم أنه إعطاء نعيم الآخرة . والفضل : إعطاء الخير . سمي فضلاً لأن الغالب أن فاعل الخير يفعله بما هو فاضل عن حاجته ، ثم تنوسي ذلك فصار الفضل بمعنى إعطاء الخير .
والفضل الأولُ : العمل الصالح ، بقرينة مقابلته بفضل الله الغني عن الناس .
والفضل الثاني المضاف إلى ضمير الجلالة هو ثواب الآخرة ، بقرينة مقابلته بالمتاع في الدنيا . والمعنى : ويؤت الله فضلَه كلّ ذي فَضْل في عمله .
ولما علق الإيتاء بالفضلين علم أن مقدار الجزاء بقدر المَجْزي عليه ، لأنه علق بذي فضل وهو في قوة المشتق ، ففيه إشعار بالتعليل وبالتقدير . وضبط ذلك لا يعلمه إلا الله ، وهو سر بين العبد وربه . ونظير هذا مع اختلاف في التقديم والتأخير وزيادة بياننٍ ، قولُه تعالى : { مَنْ عَمِلَ صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } [ النحل : 97 ].
عطف على { وأن استغفروا ربكم } فهو من تمام ما جاء تفسيراً ل
{ أحكمت آياته ثم فصلت } [ هود : 1 ] وهو مما أوحي به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغه إلى الناس .
وتَولوا : أصلُه تَتولوا ، حذفت إحدى التائين تخفيفاً .
وتأكيد جملة الجزاء ب { إن } وبكون المسند إليه فيها اسماً مخبراً عنه بالجملة الفعلية لقصد شدة تأكيد توقع العذاب .
وتنكير { يوم } للتهويل ، لتذهب نفوسهم للاحتمال الممكن أن يكون يوماً في الدنيا أو في الآخرة ، لأنهم كانوا ينكرون الحشر ، فتخويفهم بعذاب الدنيا أوْقع في نفوسهم . وبذلك يكون تنكير { يوم } صالحاً لإيقاعه مقابلاً للجَزَاءيْن في قوله : { يُمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله } ، فيقدّر السامع : إن توليتم فإني أخاف عليكم عذابين كما رجوت لكم إن استغفرتم ثوابين .
ووصفه بالكبير لزيادة تهويله ، والمراد بالكبر الكبر المعنوي ، وهو شدة ما يقع فيه ، أعني العذاب ، فوصف اليوم بالكبر مجاز عقلي .