وإتْباع اللعنة إيّاهم مستعار لإصابتها إيّاهم إصابة عاجلة دون تأخير كما يتبع الماشي بمن يلحقه . وممّا يزيد هذه الاستعارة حسناً ما فيها من المشاركة ومن مماثلة العقاب للجرم لأنّهم اتّبعوا الملعونين فأتبعوا باللّعنة .
وبني فعل { أتبعوا } للمجهول إذْ لاَ غرض في بيان الفاعل ، ولم يسند الفعل إلى اللعنة مع استيفائه ذلك على وجه المجاز ليدل على أنّ إتْبَاعها لهم كان بأمر فاعل للإشعار بأنّها تبعتهم عقاباً من الله لا مجرّد مصادفة .
واللّعنة : الطرد بإهانة وتحقير .
وقرن الدنيا باسم الإشارة لقصد تهوين أمرها بالنّسبة إلى لعنة الآخرة ، كما في قول قيس بن الخطيم
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة: ...
لنفسي إلاّ قدْ قضيت قضاءها ... أومأ إلى أنّه لا يكترث بالموت ولا يهابه .
وجملة { ألاَ إنّ عاداً كفروا ربّهم } مستأنفة ابتدائية افتتحت بحرف التنبيه لِتهويل الخبر ومؤكدة بحرف { إنّ } لإفادة التعليل بجملة { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة } تعريضاً بالمشركين ليعتبروا بما أصاب عاداً .
وعدّيَ { كفروا ربّهم } بدون حرف الجر لتضمينه معنى عَصَوْا في مقابلة { واتّبعوا أمر كلّ جبّارٍ عنيدٍ } ، أو لأنّ المراد تقدير مضاف ، أي نعمة ربّهم لأنّ مادّة الكفر لا تتعدّى إلى الذات وإنما تتعدى إلى أمر معنوي .
وجملة { ألا بعداً لعاد } ابتدائية لإنشاء ذمّ لهم . وتقدّم الكلام على { بعْداً } عند قوله في قصّة نوح عليه السّلام { وقيل بعداً للقوم الظالمين } [ هود : 44 ].
و { قوم هود } بيان ل ( عاد ) أو وصف ل ( عاد ) باعتبار ما في لفظ { قوم } من معنى الوصفية . وفائدة ذكره الإيماء إلى أنّ له أثراً في الذمّ بإعراضهم عن طاعة رسولهم ، فيكون تعريضاً بالمشركين من العرب ، وليس ذكره للاحتراز عن عاد أخرى وهم إرَم كما جوّزه صاحب «الكشاف» لأنّه لا يعرف في العرببِ عاد غير قوم هود وهم إرم ، قال تعالى : { ألم تر كيف فعل ربك بِعادٍ إرَم ذات العماد } [ الفجر : 6 ، 7 ].