استعمال الماضي في قوله : { جاء أمرنا } بمعنى اقتراب المجيء لأن الإنجاء كان قبل حلول العذاب .
والأمر أطلق على أثر الأمر ، وهو ما أمر الله به أمرَ تكوين ، أي لمّا اقترب مجيء أثر أمرنا ، وهو العذاب ، أي الريح العظيم .
ومتعلّق { نجّينا } الأول محذوف ، أي من العذاب الدال عليه قوله : { ولما جاء أمرنا }. وكيفيّة إنجاء هود عليه السّلام ومن معه تقدّم ذكرها في تفسير سورة الأعراف .
والباء في { برحمة منّا } للسببيّة ، فكانت رحمة الله بهم سبباً في نجاتهم . والمراد بالرحمة فضل الله عليهم لأنّه لو لم يرحمهم لشملهم الاستئصال فكان نقمة للكافرين وبَلوى للمؤمنين .
وجملة { ونجّيناهم من عذاب غليظ } معطوفة على جملة { ولمّا جاء أمرنا }. والتّقدير وأيضاً نجّيناهم من عذاب شديد وهو الإنجاء من عذاب الآخرة وهو العذاب الغليظ . ففي هذا منّة ثانية على إنجاء ثان ، أي نجّيناهم من عذاب الدّنيا برحمة منّا ونجّيناهم من عذاب غليظ في الآخرة ، ولذلك عطف فعل { نجّيناهم } على { نجّينا } ، وهذان الإنجاءان يقابلان جمع العذابين لعاد في قوله : { وأُتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة } [ هود : 60 ]. وقد ذكر هنا متعلّق الإنجاء وحذف السبب عكس ما في الجملة الأولى لظهور أنّ الإنجاء من عذاب الآخرة كان بسبب الإيمان وطاعة الله كما دلّ عليه مقابلته بقوله : { وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله } [ هود : 59 ].
والغليظ حقيقته : الخشن ضدّ الرقيق ، وهو مستعار للشّديد . واستعمل الماضي في { ونجّيناهم } في معنى المستقبل لتحقق الوعد بوقوعه .