عطف قصة على قصة .
وتأكيد الخبر بحرف ( قد ) للاهتمام به كما تقدّم في قوله : { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } [ هود : 25 ].
والغرض من هذه القصّة هو : الموعظة بمصير قوم لوط إذْ عصوا رسول ربّهم فحلّ بهم العذاب ولم تغن عنهم مجادلة إبراهيم . وقدّمت قصة إبراهيم لذلك وللتنويه بمقامه عند ربّه على وجه الإدماج ، ولذلك غيّر أسلوب الحكاية في القصص الّتي قبلها والتي بعدها نحو { وإلى عاد } [ هود : 50 ] إلخ .
والرّسل : الملائكة . قال تعالى : { جاعل الملائكة رسلاً } [ فاطر : 1 ].
والبشرى : اسم . للتبشير والبشارة . وتقدّم عند قوله تعالى : { وبشّر الذين آمنوا وعَمِلوا الصالحات } في أوّل سورة [ البقرة : 25 ]. هذه البشرى هي التي في قوله : { فبشّرناها بإسحاق } لأنّ بشارة زوجه بابننٍ بشارة له أيضاً .
والباء في { بالبشرى } للمصاحبة لأنّهم جاءوا لأجل البشرى فهي مصاحبة لهم كمصاحبة الرسالة للمرسل بها .
وجملة { قالوا سلاماً } في موضع البيان ل { البشرى } ، لأنّ قولهم ذلك مبدأ البشرى ، وإنّ ما اعترض بينها حكاية أحوال ، وقد انتهى إليها في قوله : { فبشّرناها بإسحاق إلى قوله إنّه حميد مجيد }.
والسّلام : التحيّة . وتقدّم في قوله : { وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم } في سورة [ الأنعام : 54 ].
و { سلاماً } مفعول مطلق وقع بَدَلاً من الفعل . والتّقدير : سلّمنا سلاماً .
و { سلام } المرفوع مصدر مرفوع على الخبر لمبتدأ محذوف ، تقديره : أمري سلام ، أي لكم ، مثل { فصبرٌ جميلٌ } [ يوسف : 18 ]. ورفع المصدر أبلغ من نصبه ، لأنّ الرّفع فيه تناسي معنى الفعل فهو أدلّ على الدّوام والثّبات . ولذلك خالف بينهما للدّلالة على أنّ إبراهيم عليه السّلام ردّ السّلام بعبارة أحسن من عبارة الرسل زيادة في الإكرام .
قال ابن عطيّة : حيّاً الخليل بأحسن ممّا حُيّيَ به ، أي نظراً إلى الأدب الإلهي الذي عَلّمَهُ لَنَا في القرآن بقوله : { وإذا حيّيتم بتحيةٍ فَحَيّوا بأحسن منها أو رُدُّوها } [ النساء : 86 ] ، فَحكيَ ذلك بأوجز لفظ في العربية أداءً لمعنى كلام إبراهيم عليه السّلام في الكلدانيّة .
وقرأ الجمهور { قال سَلامٌ } بفتح السّين وبِألِف بعد اللاّم . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف : { قال سِلْم } بكسر السّين وبدون ألِف بعد اللاّم وهو اسم المسالمة . وسمّيت به التحية كما سمّيت بمرادفِه ( سَلام ) فهو من باب اتّحاد وزن فَعال وفِعْل في بعض الصفات مثل : حرام وحِرم ، وحلال وحلّ .
والفاء في قوله : { فما لبث } للدّلالة على التعقيب إسراعاً في إكرام الضّيف ، وتعجيل القرى سنّة عربيّة : ظنهم إبراهيم عليه السّلام ناساً فبادر إلى قراهم .
واللّبث في المكان يقتضي الانتقال عنه ، أيْ فما أبطأ . و { أن جاء } يجوز أن يكون فاعل { لَبِثَ } ، أي فما لبث مجيئه بعجل حنيذ ، أي فما أبطأ مَجيئه مصاحباً له ، أي بل عجّل . ويجوز جعل فاعل { لبث } ضمير إبراهيم عليه السّلام فيقدّر جارّ ل { جاء }.
والتّقدير : فما لبث بأن جاء به . وانتفاء اللبث مبالغة في العجل .
والحنيذ : المشوي ، وهو المحنوذ . والشيُّ أسْرَع من الطبخ ، فهو أعون على تعجيل إحضار الطعام للضيف .