و { لا تصل إليه } أشد في عدم الأخذ من ( لا تتناوله ).
ويقال : نكر الشيء إذا أنكره أي كرهه .
وإنّما نكرهم لأنّه حسب أنّ إمساكهم عن الأكل لأجل التبرّؤ من طعامه ، وإنّما يكون ذلك في عادة النّاس في ذلك الزّمان إذا كان النّازل بالبيت يضمر شرّاً لمضيّفه ، لأنّ أكل طعام القرى كالعهد على السّلامة من الأذى ، لأنّ الجزاء على الإحسان بالإحسان مركوز في الفطرة ، فإذا انكفّ أحد عن تناول الإحسان فذلك لأنّه لا يريد المسالمة ولا يرضى أن يكون كفوراً للإحسان .
ولذلك عقب قوله { نكرهم } ب { أوجس منهم خيفة } ، أي أحسّ في نفسه خيفة منهم وأضمر ذلك . ومصدره الإيجاس . وذلك أنّه خشي أن يكونوا مضمرين شرّاً له ، أي حسبهم قطّاعاً ، وكانوا ثلاثة وكان إبراهيم عليه السّلام وحده .
وجملة { قالوا لا تخف } مفصولة عمّا قبلها ، لأنّها أشبهت الجواب ، لأنّه لمّا أوجس منهم خيفة ظهر أثرها على ملامحه ، فكان ظهور أثرها بمنزلة قوله إنّي خفت منكم ، ولذلك أجابوا ما في نفسه بقولهم : { لا تَخف } ، فحكي ذلك عنهم بالطّريقة الّتي تحكى بها المحاورات ، أو هو جواب كلام مقدّر دلّ عليه قوله : { وأوجس منهم خيفة } ، أي وقال لهم : إنّي خفت منكم ، كما حكي في سورة [ الحجر : 52 ] { قال إنّا منكم وَجِلون } ومن شأن النّاس إذا امتنع أحد من قبول طعامهم أن يقولوا له : لعلّك غادر أو عَدوّ ، وقد كانوا يقولون للوافد : أحَرْبٌ أم سِلْمٌ .
وقولهم : { إنّا أرسلنا إلى قوم لوط } مكاشفة منهم إيّاه بأنّهم ملائكة . والجملة استئناف مبينة لسبب مجيئهم .
والحكمةُ من ذلك كرامة إبراهيم عليه السّلام وصدورهم عن علم منه .
وحذف متعلّق { أرسلنا } أي بأي شيء ، إيجازاً لظهوره من هذه القصّة وغيرها .
وعبّر عن الأقوام المراد عذابهم بطريق الإضافة { قوم لوط } إذ لم يكن لأولئك الأقوام اسم يجمعهم ولا يرجعون إلى نسب بل كانوا خليطاً من فصائل عرفوا بأسماء قراهم ، وأشهرها سدوم كما تقدّم في الأعراف .