ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)
والفاء في { فأخَذَهُم الله } لتفريع الأخذ على كونهم أشدَّ قوة من قريش لأن القوة أريد بها هنا الكناية عن الإِباء من الحق والنفور من الدعوة ، فالتقدير : فأعرضوا ، أو فكفروا فأخذهم الله .
والآخذ : الاستئصال والإِهلاك كنّي عن العقاب بالأخذ ، أو استعمل الأخذ مجازاً في العقاب .
والذنوب : جمع ذنب وهو المعصية ، والمراد بها الإِشراك وتكذيب الرسل ، وذلك يستتبع ذنوباً جمة ، وسيأتي تفسيرها بقوله : { ذلك بأنَّهم كانت تأتِيهِم رُسُلُهم بالبينات } .
ومعنى : { وما كانَ لهُم مِنَ الله من وَاق } ما كان لهم من عقابه وقدرته عليهم ، فالواقي : هو المدافع الناصر .
و { مِن الأولى متعلقة بواقٍ ، } وقدم الجار والمجرور للاهتمام بالمجرور ، و { من } الثانية زائدة لتأكيد النفي بحرف ( ما ) وذلك إشارة إلى المذكور وهو أخذ الله إياهم بذنوبهم .
والباء للسببية ، أي ذلك الأخذ بسبب أنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا بهم ، وفي هذا تفصيل للإجمال الذي في قوله : { فأخذهم الله بذنوبهم } . والجملة بعد ( أنَّ ) المفتوحة في تأويل مصدر . فالتقدير : ذلك بسبب تحقق مجيء الرسل إليهم فكفرهم بهم .
وأفاد المضارع في قوله : { تأتيهم } تجدد الإتيان مرة بعد مرة لمجموع تلك الأمم ، أي يأتي لكل أمة منهم رسول ، فجمع الضمير في { تأتيهم } و { رسلهم } وجمع الرسل في قوله : { رسلهم } من مقابلة الجمع بالجمع ، فالمعنى : أن كل أمة منهم أتاها رسول . ولم يؤت بالمضارع في قوله : { فكفروا } لأن كفر أولئك الأمم واحد وهو الإِشراك وتكذيب الرسل .
وكرر قوله : { فأخَذَهُمُ الله } بعد أن تقدم نظيره في قوله : { فأخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِم } الخ إطناباً لتقرير أخذ الله إياهم بكفرهم برسلهم ، وتهويلاً على المنذَرين بهم أن يُساوُوهم في عاقبتهم كما سَاوَوْهم في أسبابها .
وجملة : { إنَّه قَوِيٌّ شَدِيد العِقَابِ } تعليل وتبيين لأخذ الله إياهم وكيفيته وسرعة أخذه المستفادة من فاء التعقيب ، فالقويّ لا يعجزه شيء فلا يعطل مراده ولا يتريث ، و { شديد العقاب } بيان لذلك الأخذ على حد قوله تعالى : { فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } [ القمر : 42 ] .