وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) لما كان هذا تكملة لكلام الذي آمن ولم يكن فيه تعريج على محاورة فرعون على قوله : { مَا أريكم إلاَّ مَا أرى } [ غافر : 29 ] الخ وكان الذي آمن قد جعل كلام فرعون في البَيْن واسترسل يكمل مقالته عُطف فعل قوله بالواو ليتصل كلامه بالكلام الذي قبله ، ولئلا يتوهم أنه قصد به مراجعة فرعون ولكنه قصد إكمال خطابه ، وعبر عنه بالذي آمن لأنه قد عرف بمضمون الصلة بعد ما تقدم . وإعادته نداء قومه تأكيد لما قصده من النداء الأول حسبما تقدم .
وجعل الخوف وما في معناه يتعدى إلى المخوف منه بنفسه وإلى المخوف عليه بحرف ( على ) قال لبيد يرثي أخاه أربد
: ... أخشَى على أرْبَدَ الحُتوفَ ولا
أخشَى عليه الرياحَ والمطرا ... و { يَوْممِ الأحْزَابِ } مراد به ، الجنس لا ( يومٌ ) معين بقرينة إضافته إلى جمعٍ أزمانُهم متباعدة . فالتقدير : مثل أيام الأحزاب ، فإفراد يوم للإِيجاز ، مثل بطن في قول الشاعر وهو من شواهد سيبويه في باب الصفة المشبهة بالفاعل
: ... كلُوا في بعض بَطْنِكم تَعِفُّوا
فإن زَمانكم زمنٌ خميص ... والمراد بأيام الأحزاب أيام إهلاكهم والعرب يطلقون اليوم على يوم الغالب ويوم المغلوب . والأحزاب الأمم لأن كل أمة حِزبٌ تجمعهم أحوال واحدة وتناصر بينهم فلذلك تسمى الأمة حزباً ، وتقدم عند قوله تعالى : { كل حزب بما لديهم فرحون } في سورة [ المؤمنين : 53 ] .
والدأْب : العادة والعمل الذي يدأب عليه عامله ، أي يلازمه ويكرره ، وتقدم في قوله تعالى : { كدأب آل فرعون } في أول [ آل عمران : 11 ] .