وقوله : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ الله يتوب عليه } أي من تاب من السارقين من بعد السرقة تاب الله عليْه ، أي قبلت توبته . وقد تقدّم معناه عند قوله تعالى : { فتلقّى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه } في سورة البقرة ( 37 ) . وليس في الآية ما يدلّ على إسقاط عقوبة السرقة عن السارق إن تاب قبل عقابه ، لأنّ ظاهر ( تاب وتاب الله عليْه ) أنّه فيما بين العبد وبين ربّه في جزاء الآخرة؛ فقوله : فمن تاب من بعد ظلمه } ترغيب لهؤلاء العصاة في التّوبة وبشارة لهم . ولا دليل في الآية على إبطال حكم العقوبة في بعض الأحوال كما في آية المحاربين ، فلذلك قال جمهور العلماء : توبة السارق لا تسقط القطع ولو جاء تائباً قبل القدْرة عليه . ويدلّ لصحّة قولهم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد المخزومية ولا شكّ أنّها تائبة .
قال ابن العربي : لأنّ المحارب مستبدّ بنفسه معتصم بقوّته لا يناله الإمام إلاّ بالإيجاف بالخيل والركاب فأسقط إجزاؤه بالتّوبة استنزالاً من تلك الحالة كما فُعل بالكافر في مغفرة جميع ما سلف استئلافاً على الإسلام . وأمّا السارق والزاني فهما في قبضة المسلمين ، اه .
وقال عطاء : إن جاء السارق تائباً قبل القدرة عليه سقط عنه القطع ، ونقل هذا عن الشّافعي ، وهو من حمل المطلق على المقيّد حملاً على حكم المحارب ، وهذا يشبه أن يكون من متّحد السبب مختلف الحكم . والتّحقيق أنّ آية الحرابة ليست من المقيّد بل هي حكم مستفاد استقلالاً وأنّ الحرابة والسرقة ليسا سبباً واحداً فليست المسألة من متّحد السبب ولا من قبيل المطلق الّذي قابَله مقيّد .