عطفت جملة { وأطيعوا } على جملة { فهل أنتم منتهون } [ المائدة : 91 ] ، وهي كالتذييل ، لأنّ طاعة الله ورسوله تعمّ ترك الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وتعمّ غير ذلك من وجوه الامتثال والاجتناب . وكرّر { وأطيعوا } اهتماماً بالأمر بالطاعة . وعطف { واحذَروا } على { أطيعوا } أي وكونوا على حذر . وحذف مفعول { احذروا } ليُنَزّلَ الفعلُ منزلة اللازم لأنّ القصد التلبّس بالحذر في أمور الدين ، أي الحذر من الوقوع فيما يأباه الله ورسوله ، وذلك أبلغ من أن يقال واحذروهما ، لأنّ الفعل اللازم يقرُب معناه من معنى أفعال السجايا ، ولذلك يجيء اسم الفاعل منه على زِنة فَعِللٍ كفرِح ونَهِممٍ .
وقوله : { فإن تولّيتم } تفريع عن { أطيعوا واحذروا } . والتولّي هنا استعارة للعصيان ، شُبّه العصيان بالإعراض والرجوع عن الموضع الذي كان به العاصِي ، بجامع المقاطعة والمفارقة ، وكذلك يطلق عليه الإدبار . ففي حديث ابن صياد «ولئنْ أدْبَرْتَ ليَعْقَرَنَّك الله» أي أعرضتَ عن الإسلام .
وقوله : { فاعلموا } هو جواب الشرط باعتبار لازم معناه لأنّ المعنى : فإن تولّيتم عن طاعة الرسول فاعلموا أن لا يضرّ تولّيكم الرسولَ لأنّ عليه البلاغ فحسب ، أي وإنّما يضرّكم تولّيكم ، ولولا لازم هذا الجواب لم ينتظم الربط بين التولّي وبين علمهم أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمر إلاّ بالتبليغ . وذكر فعل { فاعلموا } للتنبيه على أهمية الخبر كما بيّنّاه عند قوله تعالى : { واتّقوا الله واعلموا أنّكم ملاقوه } في سورة البقرة ( 223 ) .
وكلمة أنّما } بفتح الهمزة تقيّد الحصر ، مثل ( إنّما ) المكسورةِ الهمزة ، فكما أفادت المكسورة الحصر بالاتّفاق فالمفتوحتها تفيد الحصر لأنّها فرع عن المكسورة إذ هي أختها . ولا ينبغي بقاء خلاف من خالف في إفادتها الحصر ، والمعنى أنّ أمره محصور في التبليغ لا يتجاوزه إلى القدرة على هدي المبلّغ إليهم .
وفي إضافة الرسول إلى ضمير الجلالة تعظيم لجانب هذه الرسالة وإقامة لمعذرته في التبليغ بأنّه رسول من القادر على كلّ شيء ، فلو شاء مُرسله لهَدَى المرسَلَ إليهم فإذا لم يهتدوا فليس ذلك لتقصير من الرسول .
ووصفُ البلاغ ب { المُبين } استقصاء في معذرة الرسول وفي الإعذار للمعرضين عن الامتثال بعد وضوح البلاغ وكفايته وكونه مُؤيَّداً بالحجّة الساطعة .