وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)
ولذلك أعقبه بعطف { وأهديك إلى ربك فتخشى } أي إن كان فيك إعداد نفسك للتزكية يكن إرشادي إياك فتخشى ، فكان ترتيب الجمل في الذكر مراعىً فيه ترتبها في الحصول فلذلك لم يحتج إلى عطفه بفاء التفريع ، إذ كثيراً ما يستغنى بالعطف بالواو مع إرادة الترتيب عن العطف بحرف الترتيب لأن الواو تفيد الترتيب بالقرينة ، ويستغنى بالعطف عن ذكر حرف التفسير في العطف التفسيري الذي يكون الواو فيه بمعنى ( أي ) التفسيرية فإنَّ { أن تزكى وأهديك } في قوة المفرد . والتقدير : هل لك في التزكية وهدايتي إياك فخشيتك الله تعالى .
والهداية الدلالة علء الطريق الموصل إلى المطلوب إذا قبلها المَهْدي .
وتفريع { فتخشى } على { أهديك } إشارة إلى أن خشية الله لا تكون إلا بالمعرفة قال تعالى : { إنما يخشى اللَّه من عبادة العلماء } [ فاطر : 28 ] ، أي العلماء به ، أي يخشاه خشية كاملة لا خطأ فيها ولا تقصير .
قال الطيبي : وعن الواسطي : أوائل العلم الخشية ، ثم الإِجلال ، ثم التعظيم ، ثم الهيبة ، ثم الفناء .
وفي الاقتصار على ذكر الخشية إيجاز بليغ لأن الخشية ملاك كل خير . وفي «جامع الترمذي» عن أبي هريرة قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من خَافَ أدْلَج ومن أَدْلَج بلغ المنزل " .
وذُكِر له الإله الحق بوصف { ربك } دون أن يذكر له اسمُ الله العلم أو غيره من طرق التعريف إلطافاً في الدعوة إلى التوحيد وتجنباً لاستطارة نفسه نفوراً ، لأنه لا يعرف في لغة فرعون اسم لله تعالى ، ولو عَرَّفه له باسمه في لغة إسرائيل لنَفر لأن فرعون كان يعبد آلهة باطلة ، فكان في قوله : { إلى ربك } وفرعون يعلم أن له رباً إطماع له أن يرشده موسى إلى ما لا ينافي عقائده فيُصغي إليه سمعه حتى إذا سمع قوله وحجته داخَلهُ الإِيمان الحق مدرَّجاً ، ففي هذا الأسلوب استنزالٌ لطائره .
والخشية : الخوف فإذا أطلقت في لسان الشرع يراد بها خشية الله تعالى ، ولهذا نُزل فعلها هنا منزلة اللازم فلم يذكر له مفعول لأن المخشي معلوم مثل فعل الإِيمان في لسان الشرع يقال : آمَن فلان ، وفلان مؤمن ، أي مؤمن بالله ووحدانيته .