ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) وعطف { ثم أدبر يسعى } ب { ثم } للدلالة على التراخي الرتبي كما هو شأنها في عطف الجُمل ، فأفادت { ثم } أن مضمون الجملة المعطوفة بها أعلى رتبة في الغرض الذي تضمنته الجملة قبلها ، أي أنه ارتقى من التكذيب والعصيان إلى ما هو أشد وهو الإِدبار والسعي وادعاء الإلهية لنفسه ، أي بعد أن فكّر ملياً لم يقتنع بالتكذيب والعصيان فخشي أنه إن سكت ربما تروج دعوة موسى بين الناس فأراد الحيطة لدفعها وتحذيرَ الناس منها .
والإِدبار والسعي مستعملان في معنييهما المجازيين فإن حقيقة الإِدبار هو المشي إلى الجهة التي هي خَلْف الماشي بأن يكون متوجهاً إلى جهة ثم يتوجه إلى جهة تعاكسها . وهو هنا مستعار للإِعراض عن دعوة الداعي مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لمسيلمة لما أبى الإِيمان : « ولئن أدبرتَ ليَعْقِرَنَّكَ اللَّه » .
وأما السعي فحقيقته : شدة المشي ، وهو هنا مستعار للحرص والاجتهاد في أمره الناسَ بعدم الإِصغاء لكلام موسى ، وجمع السحرة لمعارضة معجزته إذ حسبها سحراً كما قال تعالى : { فتولى فرعون فجمع كيده } [ طه : 60 ] .
والعمل الذي يسعى إليه يبينه قوله تعالى : { فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى } فثلاثتها مرتبة على { يسعى } .