فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) ، و { المدبرات } : الموصوفةُ بالتدبير .
والتدبير : جَوَلان الفكر في عواقب الأشياء وبإجراء الأعمال على ما يليق بما توجد له فإن كانت السابحات جماعات الملائكة ، فمعنى تدبيرها تنفيذ ما نيط بعهدتها على أكمل ما أذنت به فعبر عن ذلك بالتدبير للأمور لأنه يشبه فعل المدبر المتثبت .
وإن كانت السابحات خيلَ الغزاة فالمراد بالتدبير : تدبير مكائد الحرب من كرّ ، وفر ، وغارة ، وقتل ، وأسر ، ولحاق للفارين ، أو ثبات بالمكان . وإسناد التدبير إلى السابحات على هذا الوجه مجاز عقلي لأن التدبير للفُرسان وإنما الخيل وسائل لتنفيذ التدبير ، كما قال تعالى : { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } [ الحج : 27 ] ، فأسند الإِتيان إلى ضمير { كل ضامر } من الإِبل لأن إتيان الحجيج من الفجاج العميقة يكون بسير الإِبل .
وفي هذا المجاز إيماء إلى حِذق الخيل وسرعة فهمها مقاصد فرسانها حتى كأنها هي المدبرة لما دبره فرسانها .
والأمر : الشأن والغرض المهم وتنوينه للتعظيم ، وإفراده لإِرادة الجنس ، أي أموراً .
وينتظم من مجموع صفات { النازعات } ، و { الناشطات } ، و { السابحات } ، إذا فهم منها جماعات الرماة والجَمَّالَة والفرساننِ أن يكون إشارة إلى أصناف المقاتلين من مُشاة وهم الرماة بالقِسي ، وفرسان على الخيل وكانت الرماة تمشي قدَّام الفرسان تنضح عنهم بالنبال حتى يبلغوا إلى مكان الملحمة .
قال أُنيْف بن زَبَّان الطائي
: ... وتَحْتَ نحور الخَيْل خرْشَفُ رَجْلَةٍ
تُتَاح لغِرَّاتتِ القُلوب نِبَالُها ... ولتحمل الآية لهذه الاحتمالات كانت تعريضاً بتهديد المشركين بحرب تشن عليهم وهي غزوة فتح مكة أو غزوة بدر مثل سورة ( والعاديات ) وأضرابها ، وهي من دلائل نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم إذ كانت هذه التهديدات صَريحُها وتعريضُها في مدة مقامة صلى الله عليه وسلم بمكة والمسلمون في ضعف فحصل من هذا القَسم تعريض بعذاب في الدنيا .