أى: فحين أنجاهم الله- تعالى- بفضله ورحمته من هذا الكرب العظيم الذي كانوا فيه، إذا هم يسعون في الأرض فسادا. ويرتكبون البغي الفاضح الذي لا يخفى قبحه على أحد.
وقيد البغي بكونه بغير الحق، لأنه لا يكون إلا كذلك، إذا البغي معناه: تجاوز الحق، يقال: بغى الجرح إذا تجاوز حده في الفساد.
فقوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ تأكيد لما يفيده البغي من التعدي والظلم، فهو بغى ظاهر سافر لا يخفى قبحه على أحد.
وقيل قيده بذلك ليخرج البغي على الغير في مقابلة بغيه. فإنه يسمى بغيا في الجملة، لكنه بحق. وهو قول ضعيف، لأن دفع البغي لا يسمى بغيا وإنما يسمى إنصافا من الظالم، ولذا قال القرآن الكريم: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ .
وجاء التعبير بالفاء وإذا الفجائية، للإشعار بأنهم قوم بلغ بهم اللؤم والجحود، أنهم بمجرد أن وطئت أقدامهم بر الأمان، نسوا ما كانوا فيه من أهوال، وسارعوا إلى الفساد في الأرض، دون أن يردعهم رادع، أو يصدهم ترغيب أو ترهيب.
والتعبير بقوله فِي الْأَرْضِ للإشارة إلى أن بغيهم قد شمل أقطارها، ولم يقتصر على جانب من جوانبها.
وقوله- سبحانه- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ خطاب منه- سبحانه- لأولئك البغاة في كل زمان ومكان، قصد به التهديد والوعيد.
أى: يا أيها الناس الذين تضرعوا إلينا في ساعات الشدة، وهرولوا إلى البغي بعد زوال تلك الشدة، اعلموا أن بغيكم هذا مرجعه إليكم لا إلى غيركم فأنتم وحدكم الذين تتحملون سوء عاقبته في الدنيا والآخرة.
من الشاكرين لك، المطيعين لأمرك، المتبعين لشرعك.
وهنا، وبعد هذا الدعاء العريض، هدأت العاصفة. وانخفضت الأمواج، وسكنت النفوس بعض السكون، ووصلت السفن إلى شاطئ الأمان فماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة كما صورها القرآن الكريم: فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ...
أى: فحين أنجاهم الله- تعالى- بفضله ورحمته من هذا الكرب العظيم الذي كانوا فيه، إذا هم يسعون في الأرض فسادا. ويرتكبون البغي الفاضح الذي لا يخفى قبحه على أحد.
وقيد البغي بكونه بغير الحق، لأنه لا يكون إلا كذلك، إذا البغي معناه: تجاوز الحق، يقال: بغى الجرح إذا تجاوز حده في الفساد.
فقوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ تأكيد لما يفيده البغي من التعدي والظلم، فهو بغى ظاهر سافر لا يخفى قبحه على أحد.
وقيل قيده بذلك ليخرج البغي على الغير في مقابلة بغيه. فإنه يسمى بغيا في الجملة، لكنه بحق. وهو قول ضعيف، لأن دفع البغي لا يسمى بغيا وإنما يسمى إنصافا من الظالم، ولذا قال القرآن الكريم: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ .
وجاء التعبير بالفاء وإذا الفجائية، للإشعار بأنهم قوم بلغ بهم اللؤم والجحود، أنهم بمجرد أن وطئت أقدامهم بر الأمان، نسوا ما كانوا فيه من أهوال، وسارعوا إلى الفساد في الأرض، دون أن يردعهم رادع، أو يصدهم ترغيب أو ترهيب.
والتعبير بقوله فِي الْأَرْضِ للإشارة إلى أن بغيهم قد شمل أقطارها، ولم يقتصر على جانب من جوانبها.
وقوله- سبحانه- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ خطاب منه- سبحانه- لأولئك البغاة في كل زمان ومكان، قصد به التهديد والوعيد.
أى: يا أيها الناس الذين تضرعوا إلينا في ساعات الشدة، وهرولوا إلى البغي بعد زوال تلك الشدة، اعلموا أن بغيكم هذا مرجعه إليكم لا إلى غيركم فأنتم وحدكم الذين تتحملون سوء عاقبته في الدنيا والآخرة.
واعلموا أن هذا البغي إنما تتمتعون به متاع الحياة الدنيا التي لا بقاء لها، وإنما هي إلى زوال وفناء.
واعلموا كذلك أن مردكم إلينا بعد هذا التمتع الفاني. فنخبركم يوم الدين بكل أعمالكم، وسنجازيكم عليها بالجزاء الذي تستحقونه.
وقوله: إِنَّما بَغْيُكُمْ مبتدأ وخبره عَلى أَنْفُسِكُمْ أى هو عليكم في الحقيقة لا على الذين تبغون عليهم.
وقوله: مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا: قرأ حفص عن عاصم مَتاعَ بفتح العين على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر. أى: تتمتعون به متاع الحياة الدنيا الزائلة الفانية.
وقرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هو متاع الحياة الدنيا. وقوله:
ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تذييل قصد به تهديدهم على بغيهم، ووعيدهم عليه بسوء المصير حتى يرتدعوا وينزجروا.
هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى:
1- أن من الواجب على العاقل أن يكثر من ذكر الله في حالتي الشدة والرخاء، وأن لا يكون ممن يدعون الله عند الضر وينسونه عند العافية، ففي الحديث الشريف: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» .
2- ان الناس جبلوا على الرجوع إل الله وحده عند المصائب والمحن، وفي ذلك يقول الآلوسى: «روى أبو داود والنسائي وغيرهما عن سعد بن أبى وقاص قال: لما كان يوم الفتح فر عكرمة بن أبى جهل فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف، فقال أصحاب السفينة لركابها: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغنى عنكم شيئا. فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص، ما ينجيني في البر غيره. اللهم إن لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتى محمدا حتى أضع يدي في يده، فلأجدنه عفوا كريما. قال: فجاء فأسلم.
وفي رواية ابن سعد عن أبى مليكه: أن عكرمة لما ركب السفينة وأخذتهم الريح فجعلوا يدعون الله- تعالى- ويوحدونه فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله- تعالى-. قال: «فهذا ما يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا بنا» . فرجع وأسلم ... » .
وقال الفخر الرازي: «يحكى أن واحدا قال لجعفر الصادق: اذكر لي دليلا على إثبات الصانع؟ فقال له: أخبرنى عن حرفتك: فقال: أنا رجل أتجر في البحر. فقال له: صف لي كيفية حالك. فقال: ركبت البحر فانكسرت السفينة وبقيت على لوح واحد من ألواحها، وجاءت الرياح العاصفة. فقال جعفر: هل وجدت في قلبك تضرعا ودعاء. فقال: نعم.
فقال جعفر: فإلهك هو الذي تضرعت إليه في ذلك الوقت» .
وقد ساق صاحب المنار قصة ملخصها «أن رجلا إنجليزيا قرأ ترجمة قوله- تعالى- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. فراعته بلاغة وصفها لطغيان البحر.. وكان يعمل قائدا لإحدى السفن.. فسأل بعض المسلمين: أتعلمون أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد سافر في البحار؟ فقالوا له: لا.. فأسلم الرجل لأنه اعتقد أن القرآن ليس من كلام البشر وإنما هو كلام الله- تعالى ... » .
3- دل قوله- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ... على أن البغي يجازى أصحابه عليه في الدنيا والآخرة.
فأما في الآخرة فهو ما دل عليه إنذار أهله بأنه- سبحانه- سيجازيهم عليه أسوأ الجزاء.
وأما في الدنيا فبدليل قوله- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ويؤيده ما رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبى بكر الصديق- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من ذنب يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة سوى البغي وقطيعة الرحم» .
قال الآلوسى. وفي الآية من الزجر عن البغي ما لا يخفى «فقد أخرج أبو نعيم والخطيب والديلمي وغيرهم عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث هن رواجع على أهلها: المكر والنكث والبغي» ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ. وقوله- تعالى- فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وقوله- تعالى- وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما» .
وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين لأخيه:
يا صاحب البغي إن البغي مصرعه ... فارجع فخير فعال المرء أعدله
فلو بغى جبل يوما على جبل ... لاندك منه أعاليه وأسفله
ثم ساق- سبحانه- مثلا لمتاع الحياة الدنيا الزائل، ولزخرفها الفاني، فقال- تعالى-: