ثم بين- سبحانه- حال إبراهيم عند ما رأى ضيوفه لا يأكلون من طعامه فقال:
فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً....
ومعنى نَكِرَهُمْ: نفر منهم، وكره تصرفهم. نقول: فلان نكر حال فلان- كعلم- وأنكره نكرا ونكورا ... إذا وجده على غير ما يعهده فيه، ويتوقعه منه.
وَأَوْجَسَ من الوجس وهو الصوت الخفى، والمراد به هنا: الإحساس الخفى بالخوف والفزع الذي يقع في النفس عند رؤية ما يقلقها ويخيفها.
أى: فلما رأى إبراهيم- عليه السلام- ضيوفه لا تمتد أيديهم إلى الطعام الذي قدمه لهم، نفر منهم، وأحس في نفسه من جهتهم خوفا ورعبا لأن امتناع الضيف عن الأكل من طعام مضيفه- بدون سبب مقنع- يشعر بأن هذا الضيف ينوى شرا به ... والتقاليد في كثير من البلاد إلى الآن تؤيد ذلك.
ولذا قالت الملائكة لإبراهيم عند ما لاحظوا ما يساور نفسه من الخوف: لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ.
أى: لا تخف يا إبراهيم فإنا لسنا ضيوفا من البشر، وإنما نحن رسل من الله- تعالى- أرسلنا إلى قوم لوط لإهلاكهم.
وقد جاء في بعض الآيات أنه صارحهم بالخوف منهم، ففي سورة الحجر قال- تعالى-:
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً، قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ. قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ....