هذه الآيات الثلاث كلام «معترض بين الكلامين المسوقين لتوبيخ المشركين وإقامة الحجة عليهم ، مُخاطب بها النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون ، للتعجيب من عقول المشركين ، وفيه تعريض بالرد عليهم لأنه يبلُغ مسامعهم .
والاستفهام مستعمل في التعجيب والإنكار .
وصيغة المضارع في يشركون دالة على تجدد هذا الإشراك منهم . ونفي المضارع في قوله : { ما لا يَخلق } للدلالة على تجدد نفي الخالقية عنهم .
وأصل معنى التجدد ، الذي يدل عليه المسند الفِعلي ، هو حدوث معنى المسند للمسند إليه ، وأنه ليس مجرد ثبوت وتقرر ، فيعلم منه : أنهم لا يخلُقون في الاستقبال ، وأنهم ما خَلقوا شيئاً في الماضي ، لأنه لو كان الخلق صفة ثابتة لهم لكان متقرراً في الماضي والحال والاستقبال .
وضمير الغيبة في { وهم يخلقون } يجوز عندي : أن يكون عائداً إلى ما عاد إليه ضمير { يشركون } [ الأعراف : 190 ] ، أي : والمشركون يُخلقون ، ومعنى الحال زيادة تفظيع التعجيب من حالهم لإشراكهم بالله أصنافاً لا تخلق شيئاً في حال أن المشركين يُخلقون يوماً فيوماً ، أي يتجدد خلقهم ، والمشركون يشاهدون الأصنامَ جاثمة في بيوتها ومواضعها لا تصنع شيئاً فصيغة المضارع دالة على الاستمرار بقرينة المقام .
ودلالة المضارع على الاستمرار والتكرر دلالة ناشئة عن معنى التجدد الذي في أصل المسند الفعلي ، وهي دلالة من مستتبعات التركيب بحسب القرائن المعيّنة لها ولا توصف بحقيقة ولا مجاز لذلك ، ومعنى تجدد مخلوقيتهم : هو أن الضمير صادق بأمة وجماعة ، فالمخلوقية لا تفارقهم لأنها تتجدد آنا فآنا بازدياد المواليد ، وتغير أحوال المواجيد ، كما قال تعالى { خلقاً من بعد خَلْقٍ } [ الزمر : 6 ] فتكون جملة : { وهم يخلقون } حالاً من ضمير { أيشركون }.
والمفسرون أعادوا ضمير و { هم يخلقون } على مَا لاَ يَخْلُق ، أي الأصنام ، ولم يبينوا معنى كون الأصنامَ مخلوقة وهي صُورٌ نحتها الناس ، وليست صُورها مخلوقة لله ، فيتعين أن المراد أن مادتها مخلوقة وهي الحجارة .
وجعلوا إجراء ضمائر العقلاء في قوله { وهم } وقوله { يُخلقون } وما بعده على الأصنام وهي جمادات لأنهم نُزلوا منزلة العقلاء ، بناء على اعتقاد المحجوجين فيهم ، ولا يظهر على لهذا التقدير وجهُ الاتيان بفعل يخلقون بصيغة المضارع لأن هذا الخلق غير متجدد .