ونزع : أزال اتصال شيء عن شيء ، ومنه نزع ثوبه ، والمعنى هنا أنه أخرج يده من جيب قميصه بعد أن أدخلها في جيبه كما في سورة النمل وسورة القصص فلما أخرجها صارت بيضاء ، أي بياضاً من النور .
وقد دل على هذا البياض قوله : { للناظرين } ، أي بياضاً يراه الناظرون رؤية تعجب من بياضها . فالمقصود من ذكر قوله : { للناظرين } تتميم معنى البياض .
واللام في قوله : { للناظرين } لم يعرج المفسرون على بيان معناها وموقعها سوى أن صاحب «الكشاف» قال : «يتعلق للناظرين ببيضاء» دون أن يبين نوع التعلق ولا معنى اللام ، وسكت عليه «شراحه» والبيضاوي ، وظاهر قوله يتعلق أنه ظرف لغو تعلق ببيضاء فلعله لما في بيضاء من معنى الفعل كأنه قيل : ابيضّت للناظرين كما يتعلق المجرور بالمشتق فتعين أن يكون معنى اللام هو ما سماه ابن مالك بمعنى التعدية وهو يريد به تعدية خاصة ( لا مطلقَ التعدية أي تعدية الفعل القاصر إلى ما لا يتعدى له بأصل وضعه لأن ذلك حاصل في جميع حروف الجر ، فلا شك أنه أراد تعدية خاصة لم يبين حقيقتها . وقد مثل لها في «شرح الكافية» بقوله تعالى : { فهب لي من لدنك ولياً } [ مريم : 5 ] وجعل في «شرح التسهيل» هذا المثال مثالاً لمعنى شبه الملك ، واختار ابن هشام أن يمثل للتعدية بنحو ما أضرب زيداً لعمرو .
ولم يفصحوا عن هذه التعدية الخاصة باللام ، ويظهر لي أنها عمل لفظي محض ، أي لا يفيد معنى جزئياً كمعاني الحروف ، فتحصّل أنهم في ارتباك في تحقيق معنى التعدية ، وعندي أن قوله تعالى : { بيضاء للناظرين } أحسن ما يمثل به لكون اللام للتعدية وأن نفسر هذا المعنى بأنه تقريب المتعلّق بكسر اللام لمتعلّق بفتح اللام تقريباً لا يجعله في معنى المفعول به .
وإن شئت إرجاع معنى التعدية إلى أصل من المعاني المشهورة للام ، فالظاهر أنها من فروع معنى شبه الملك كما اقتضاه جعل ابن مالك المثال الذي مثل به للتعدية مثالاً لشبه الملك .
وأقرب من ذلك أن تكون اللام بمعنى ( عند ) ويكون مفاد قوله تعالى : { بيضاء للناظرين } أنها بيضاء بياضاً مستقراً في أنظار الناظرين ويكون الظرف مستقراً يجعل حالاً من ضمير يده .