وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) والحدائق : جمع حديقة وهي الجنة من نخل وكَرم وشجرِ فواكهَ ، وعطفُها على النخل من عطف الأعم على الأخص ، ولأن في ذكر الحدائق إدماجاً للامتنان بها لأنها مواضع تنزههم واخترافهم .
وإنما ذكر النخل دون ثمرته ، وهو التمر ، خلافاً لما قُرن به من الثمار والفواكهِ والكلأ ، لأن منافع شجر النخيل كثيرة لا تقتصر على ثمره ، فهم يقتاتون ثمرته من تمر ورُطب وبُسر ، ويأكلون جُمَّاره ، ويَشربون ماء عود النخلة إذا شُق عنه ، ويتخذون من نَوى التمر علفاً لإبلهم ، وكل ذلك من الطعام ، فضلاً عن اتخاذهم البيوت والأواني من خشبه ، والحُصُر من سَعَفه ، والحبالَ من لِيفه . فذِكْرُ اسم الشجرة الجامعة لهذه المنافع أجمع في الاستدلال بمختلف الأحوال وإدماج الامتنان بوفرة النعم ، وقد تقدم قريباً في سورة النبأ .
والغُلْب : جمع غلباء ، وهي مؤنث الأغلب ، وهو غَليظُ الرقبة ، يقال : غلب كفرح ، يوصف به الإنسان والبعير ، وهو هنا مستعار لغلظ أصول الشجر فوصف الحدائق به؛ إما على تشبيه الحديقة في تكاثف أوراق شجرها والتفافها بشخص غليظ الأوداج والأعصاب فتكون استعارة ، وإما على تقدير محذوف ، أي غُلْببٍ شَجَرُها ، فيكون نعتاً سببيّاً وتكون الاستعارة في تشبيه كل شجرة بامرأة غليظة الرقبة ، وذلك من محاسن الحدائق لأنها تكون قد استكملت قوة الأشجار كما في قوله : { وجنات ألفافاً } [ النبأ : 16 ] .
وخصت الحدائق بالذكر لأنها مواضع التنزه والاختراف ، ولأنها تجمع أصنافاً من الأشجار .