يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) و { يوم يفر المرء من أخيه } بدل من { إذا جاءت الصاخة } بدلاً مطابقاً .
والفرار : الهروب للتخلص من مُخيف .
وحرف ( من ) هنا يجوز أن يكون بمعنى التعليل الذي يُعدّى به فعل الفرار إلى سبب الفرار حين يقال : فَرّ من الأسد ، وفرّ من العدو ، وفرّ من الموت ، ويجوز أن يكون بمعنى المجاوزة مثل ( عن ) .
وكون أقرب الناس للإِنسان يفرّ منهم يقتضي هولَ ذلك اليوم بحيث إذا رأى ما يحل من العذاب بأقرب الناس إليه توهم أن الفرار منه يُنْجِيه من الوقوع في مثله ، إذ قد علم أنه كان مماثلاً لهم فيما ارتكبوه من الأعمال فذكرت هنا أصناف من القرابة ، فإن القرابة آصرة تكون لها في النفس معزة وحرص على سلامة صاحبها وكرامته . والألفَ يحدث في النفس حرصاً على الملازمة والمقارنة . وكلا هذين الوجدانين يصد صاحبه عن المفارقة فما ظنك بهول يغْشَى على هذين الوجدانين فلا يَترك لهما مجالاً في النفس .
ورتبت أصناف القرابة في الآية حسب الصعود من الصنف إلى من هو أقوى منه تدرجاً في تهويل ذلك اليوم .
فابتدىء بالأخ لشدة اتصاله بأخيه من زمن الصبا فينشأ بذلك إلف بينهما يستمر طول الحياة ، ثم ارتُقي من الأخ إلى الأبوين وهما أشد قرباً لابْنيهما ، وقدمت الأم في الذكر لأن إلْفَ ابنها بها أقوى منه بأبيه وللرعي على الفاصلة ، وانتقل إلى الزوجة والبنين وهما مُجتمع عائلة الإِنسان وأشد الناس قرباً به وملازمة .
وأطنب بتعداد هؤلاء الأقرباء دون أن يقال : يوم يفر المرء من أقرب قرابته مثلاً لإحضار صورة الهول في نفس السامع .