قوله : { ولا تهنوا ولا تحزنوا } نهي للمسلمين عن أسباب الفشل . والوهن : الضعف ، وأصله ضعف الذات : كالجسم في قوله تعالى : { ربِّ إنِّي وهَن العظم منِّي } [ مريم : 4 ] ، والحبْل في قول زهير
فأصبح الحَبْل منها خَلَقا ... وهو هنا مجاز في خور العزيمة وضعف الإرادة وانقلاب الرجاء يأساً ، والشَّجاعة جبناً ، واليقين شكّاً ، ولذلك نهوا عنه . وأمَّا الحزن فهو شدّة الأسف البالغة حدّ الكآبة والانكسار . والوهنُ والحزن حالتان للنفس تنشآن عن اعتقاد الخيبة والرزء فيترتّب عليهما الاستسلام وترك المقاومة . فالنهي عن الوهن والحزن في الحقيقة نهي عن سببهما وهو الاعتقاد ، كما يُنهى عن النسيان ، وكما يُنهى أحد عن فعل غيره في نحو لا أرَيَنّ فلاناً في موضع كذا أي لا تَتْركْه يحلّ فيه ، ولذلك قدّم على هذا النَّهي قوله : { قد خلت من قبلكم سنن } [ آل عمران : 137 ] إلخ . . . وعقب بقوله : { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } .
وقوله : { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } ، الواو للعطف وهذه بشارة لهم بالنَّصر المستقبل ، فالعلوّ هنا علوّ مجازيّ وهو علوّ المنزلة .
والتَّعليق بالشرط في قوله : { إن كنتم مؤمنين } قصد به تهييج غيرتهم على الإيمان إذ قد علِم الله أنَّهم مؤمنون ولكنَّهم لمّا لاح عليهم الوهن والحزن من الغلبة ، كانوا بمنزلة من ضعف يقينه فقيل لهم : إن علمتم من أنفسكم الإيمان ، وجيء بإن الشرطية الَّتي من شأنها عدم تحقيق شرطها ، إتماماً لِهذا المقصد .