قوله تعالى : فالمدبرات أمرا قال القشيري : أجمعوا على أن المراد الملائكة . وقال الماوردي : فيه قولان : أحدهما الملائكة ; قال الجمهور : والقول الثاني هي الكواكب السبعة . حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل . وفي تدبيرها الأمر وجهان : أحدهما : تدبير طلوعها وأفولها . الثاني : تدبيرها ما قضاه الله تعالى فيها من تقلب الأحوال . وحكى هذا القول أيضا القشيري في تفسيره ، وأن الله تعالى علق كثيرا من تدبير أمر العالم بحركات النجوم ، فأضيف التدبير إليها وإن كان من الله ، كما يسمى الشيء باسم ما يجاوره . وعلى أن المراد بالمدبرات الملائكة ، فتدبيرها نزولها بالحلال والحرام وتفصيله ; قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما . وهو إلى الله جل ثناؤه ، ولكن لما نزلت الملائكة به سميت بذلك ; كما قال - عز وجل - : نزل به الروح الأمين . وكما قال تعالى : فإنه نزله على قلبك . يعني جبريل نزله على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والله - عز وجل - هو الذي أنزله وروى عطاء عن ابن عباس : فالمدبرات أمرا : الملائكة وكلت بتدبير أحوال الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك . قال عبد الرحمن بن ساباط : تدبير أمر الدنيا إلى أربعة ; جبريل وميكائيل وملك الموت واسمه عزرائيل وإسرافيل ، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود ، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس في البر والبحر ، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم ، وليس من الملائكة أقرب من إسرافيل وبينه وبين العرش مسيرة خمسمائة عام . وقيل : أي وكلوا بأمور عرفهم الله بها . ومن أول السورة إلى هنا قسم أقسم الله به ، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه ، وليس لنا ذلك إلا به - عز وجل - .
وجواب القسم مضمر ، كأنه قال : والنازعات وكذا وكذا لتبعثن ولتحاسبن . أضمر لمعرفة السامعين بالمعنى ; قاله الفراء . ويدل عليه قوله تعالى : أئذا كنا عظاما نخرة ألست ترى أنه كالجواب لقولهم : أئذا كنا عظاما نخرة نبعث ؟ فاكتفى بقوله : أئذا كنا عظاما نخرة ؟ وقال قوم : وقع القسم على قوله : إن في ذلك لعبرة لمن يخشى وهذا اختيار الترمذي بن علي . أي فيما قصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى وفرعون لعبرة لمن يخشى ولكن وقع القسم على ما في السورة مذكورا ظاهرا بارزا أحرى وأقمن من أن يؤتى بشيء ليس بمذكور فيما قال ابن الأنباري : وهذا قبيح ; لأن الكلام قد طال فيما بينهما . وقيل : جواب القسم هل أتاك حديث موسى لأن المعنى قد أتاك .