قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) ، والإِشارة في قوله : { كذلك } إلى المصدر المأخوذ من فعل { صَدَّقتَ } من المصدر وهو التصديق مثل عَود الضمير على المصدر المأخوذ من { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] ، أي إنا نجزي المحسنين كذلك التصديق ، أي مثل عظمة ذلك التصديق نجزي جزاءً عظيماً للمحسنين ، أي الكاملين في الإِحسان ، أي وأنت منهم .
ولِما يتضمنه لفظ الجزاء من معنى المكافأة ومماثلة المجزي عليه عُظم شأن الجزاء بتشبيهه بمشبه مشار إليه بإشارة البعيد المفيد بُعداً اعتبارياً وهو الرفعة وعُظم القدر في الشرف ، فالتقدير : إنا نجزي المحسنين جزاء كذلك الإِحسان الذي أحسنتَ به بتصديقك الرؤيا ، مكافأة على مقدار الإِحسان فإنه بذل أعَزّ الأشياء عليه في طاعة ربّه فبذل الله إليه من أحسن الخيرات التي بيده تعالى ، فالمشبه والمشبه به معقولان إذ ليس واحد منهما بمشاهد ولكنهما متخيَّلان بما يتسع له التخيّل المعهود عند المحسنين مما يقتضيه اعتقادهم في وعْد الصادق من جزاءِ القادر العظيم ، قال تعالى : { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } [ الرحمن : 60 ] .
ولِمَا أفاد اسم الإِشارة من عظمة الجزاء أُكّد الخبر ب { إنَّ لدفع توهم المبالغة ، أي هو فوق ما تعْهده في العظمة وما تُقدره العقول .
وفهم من ذكر المحسنين أن الجزاء إحسان بمثل الإِحسان فصار المعنى : إنا كذلك الإِحسان العظيم الذي أحسنته نجزي المحسنين ، فهذا وعد بمراتب عظيمة من الفضل الرباني ، وتضمن وعد ابنه بإحسان مثله من جهة نوط الجزاء بالإِحسان ، وقد كان إحسان الابن عظيماً ببذل نفسه .