تنوير - Tanweer   سورة  الصافات الأية 84


سورة Sura   الصافات   As-Saaffaat
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) ۞ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
الصفحة Page 449
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)

إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) والباء في { بِقَلببٍ سليمٍ } للمصاحبة ، أي جاء معه قلب صفته السلامة فيؤول إلى معنى : إذ جاء ربه بسلامة قلب ، وإنما ذكر القلب ابتداء ثم وصف ب { سليمٍ } لما في ذكر القلب من إحضار حقيقة ذلك القلب النزيه ، ولذلك أوثر تنكير «قلب» دون تعريف .

و { سَلِيمٍ : } صفة مشبهة مشتقة من السلامة وهي الخلاص من العلل والأدواء لأنه لما ذكر القلب ظهر أن السلامة سلامته مما تصاب به القلوب من أدوائها فلا جائز أن تعني الأدواء الجسدية لأنهم ما كانوا يريدون بالقلب إلا مقرّ الإِدراك والأخلاق . فتعين أن المراد : صاحب القلب مع نفسه بمثل طاعة الهوى والعجب والغرور ، ومع الناس بمثل الكبر والحقد والحسد والرياء والاستخفاف .

وأطلق المجيء على معاملته به في نفسه بما يرضي ربه على وجه التمثيل بحال من يجيء أحداً ملقياً إليه مَا طلبه من سلاح أو تحف أو ألطاف فإن الله أمره بتزكِية نفسه فامتثل فأشبه حال من دعاه فجاءه . وهذا نظير قوله تعالى : { أجيبوا داعي الله } [ الأحقاف : 31 ] .

وقد جمع قوله : { بِقَلْببٍ سليمٍ } جوامع كمال النفس وهي مصدر محامد الأعمال . وفي الحديث : " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " .

وقد حكي عن إبراهيم قوله : { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } [ الشعراء : 88 - 89 ] ، فكان عماد ملة إبراهيم هو المتفرّع عن قوله : { بقلب سليم ، } وذلك جُماع مكارم الأخلاق ولذلك وصف إبراهيم بقوله تعالى : { إن إبراهيم لحليم أواه منيب } [ هود : 75 ] ، فكان منزهاً عن كل خلق ذميم واعتقاد باطل .

ثم إن مكارم الأخلاق قابلة للازدياد فكان حظ إبراهيم منها حظاً كاملاً لعله أكمل من حظ نوح بناء على أن إبراهيم أفضل الرسل بعد محمد صلى الله عليه وسلم وادخر الله منتهى كمالها لِرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فلذلك قال : " إنما بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق " ، ولذلك أيضاً وصفت ملة إبراهيم بالحنيفية ووصف الإِسلام بزيادة ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم " بُعِثت بالحنيفية السمحة " وتعليق كونه من شيعة نوح بهذا الحِين المضاف إلى تلك الحالة كناية عن وصف نوح بسلامة القلب أيضاً يحصل من قوله : { وإنَّ من شيعتِه لإبراهيم } إثبات مثل صفات نوح لإِبراهيم ومن قوله : { إذ جَاءَ ربَّهُ بقلْببٍ سليمٍ } إثبات صفة مثل صفة إبراهيم لنوح على طريق الكناية في الإثباتين ، إلا أن ذلك أثبت لإِبراهيم بالصريح ويثبت لنوح باللزوم فيكون أضعف فيه من إبراهيم .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022