فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)
تفريع على ما تقدم من الإِنكار على المشركين وإِبطال دعاويهم ، وضرب الأمثال لهم بنظرائهم من الأمم ففرع عليه أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بإبطال ما نسبه المشركون إلى الله من الولد . فضمير الغيبة من قوله : { فاستفتهم } عائد على غير مذكور يُعلَم من المقام . مثل نظيره السابق في قوله : { فاستفتهم أهم أشد خلقاً أمن خلقنا } [ الصافات : 11 ] . والمراد : التهكم عليهم بصورة الاستفتاء إذ يقولون : ولد الله ، على أنهم قسموا قسمة ضِيزَى حيث جعلوا لله البنات وهم يرغبون في الأبناء الذكور ويكرهون الإِناث ، فجعلوا لله ما يكرهون . وقد جاءوا في مقالهم هذا بثلاثة أنواع من الكفر :
أحدها : أنهم أثبتوا التجسيم لله لأن الولادة من أحوال الأجسام .
الثاني : إيثار أنفسهم بالأفضل وجعلهم لله الأقل . قال تعالى : { وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمان مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم } [ الزخرف : 17 ] .
الثالث : أنهم جعلوا للملائكة المقربين وصف الأنوثة وهم يتعيرون بأبي الإِناث ، ولذلك كرر الله تعالى هذه الأنواع من كفرهم في كتابة غير مرة .
فجملة { ألِرَبك البنَاتُ } بيان لجملة { فاستفتهم } . وضمير { لربك } مخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم وهو حكاية للاستفتاء بالمعنى لأنه إذا استفتاهم يقول : ألربكم البنات ، وكذلك ضمير { ولهم } محكي بالمعنى لأنه إنما يقول لهم : ولكم البنون . وهذا التصرف يقع في حكاية القول ونحوه مما فيه معنى القول مثل الاستفتاء .