قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)
وأما رد الله عليهم بقوله : { إن لبثتم إلا قليلاً } فهو يؤذن بكلام محذوف على طريقة دلالة الاقتضاء ، لأنهم قد لبثوا أكثر من يوم أو بعض يوم بكثير فكيف يجعل قليلاً ، فتعين أن قوله : { إن لبثتم إلا قليلاً } لا يستقيم أن يكون جواباً لكلامهم إلا بتقدير : قال بل لبثتم قروناً ، كما في قوله في الذي مر على قرية { فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثتَ قال لبثتُ يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام } [ البقرة : 259 ] . ولذلك تعين أن يكون التقدير : قال بل لبثتم قروناً ، وإن لبثتم إلا قليلاً فيما عند الله { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } [ الحج : 47 ] .
وقرينة ذلك ما تفيده ( لو ) من الامتناع في قوله : { لو أنكم كنتم تعلمون } أي لو كنتم تعلمون لعلمتم أنكم ما لبثتم إلا قليلاً ، فيقتضي الامتناع أنهم ما علموا أنهم لبثوا قليلاً مع أن صريح جوابهم يقتضي أنهم علموا لبثاً قليلاً ، فالجمع بين تعارض مقتضى جوابهم ومقتضى الرد عليهم إنما يكون باختلاف النسبة في قلة مدة المكث إذا نسبت إلى ما يراعى فيها ، فهي إذا نسبت إلى شبهتهم في إحالة البعث كانت طويلة وقد وقع البعث بعدها فهذا خطأ منهم ، وهي إذا نسبت إلى ما يترقبهم من مدة العذاب كانت مدة قليلة وهذا إرهاب لهم .