أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) الفاء لتفريع الكلام على الكلام السابق وهو قوله { بل قلوبهم في غمرة من هذا } إلى قوله { سامراً تهجرون } [ المؤمنون : 63 67 ] . وهذا التفريع معترض بين جملة { بل قلوبهم في غمرة من هذا } وجملة { ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون } [ المؤمنون : 75 ] .
والمفرع استفهامات عن سبب إعراضهم واستمرار قلوبهم في غمرة إلى أن يحل بهم العذاب الموعودونه .
وهذه الاستفهامات مستعملة في التخطئة على طريقة المجاز المرسل لأن اتضاح الخطأ يستلزم الشك في صدوره عن العقلاء فيقتضي ذلك الشك السؤال عن وقوعه من العقلاء .
ومآل معاني هذه الاستفهامات أنها إحصاء لمثار ضلالهم وخطئهم ولذلك خصت بذكر أمور من هذا القبيل . وكذلك احتجاج عليهم وقطع لمعذرتهم وإيقاظ لهم بأن صفات الرسول كلها دالة على صدقه .
فالاستفهام الأول : عن عدم تدبرهم فيما يتلى عليهم من القرآن وهو المقصود بالقول أي الكلام ، قال تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن } [ النساء : 82 ] . والتدبر : إعمال النظر العقلي في دلالات الدلائل على ما نصبت له . وأصله أنه من النظر في دُبُر الأمر ، أي فيما لا يظهر منه للمتأمل بادىء ذي بدء . وقد تقدم عند قوله تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوَجدوا فيه اختلافاً كثيراً } في سورة النساء ( 82 ) .
والمعنى : أنهم لو تدبروا قول القرآن لعلموا أنه الحق بدلالة إعجازه وبصحة أغراضه ، فما كان استمرار عنادهم إلا لأنهم لم يدبروا القول . وهذا أحد العلل التي غمرت بهم في الكفر .