حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) { حتى } ابتدائية وقد علمت مفادها غير مرة ، وتقدمت في سورة الأنبياء . ولا تفيد أن مضمون ما قبلها مُغيّا بها فلا حاجة إلى تعليق ( حتى ) ب { يصفون } [ المؤمنون : 91 ] . والوجه أن ( حتى ) متصلة بقوله { وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون } [ المؤمنون : 95 ] . فهذا انتقال إلى وصف ما يلقون من العذاب في الآخرة بعد أن ذكر عذابهم في الدنيا فيكون قوله هنا { حتى إذا جاء أحدهم الموت } وصفاً أُنُفا لعذابهم في الآخرة . وهو الذي رجحنا به أن يكون ما سبق ذكره من العذاب ثلاث مرات عذاباً في الدنيا لا في الآخرة . فإن حملتَ العذاب السابق الذكر على عذاب الآخرة كان ذلك إجمالاً وكان قوله { حتى إذا جاء أحدهم الموت } إلى آخره تفصيلاً له .
وضمائر الغيبة عائدة إلى ما عادت عليه الضمائر السابقة من قوله { قالوا أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمبعوثون } [ المؤمنون : 82 ] إلى ما هنا وليست عايدة إلى الشياطين . ولقصد إدماج التهديد بما سيشاهدون من عذاب أعدّ لهم فيندمون على تفريطهم في مدة حياتهم .
وضمير الجمع في { ارجعون } تعظيم للمخاطب . والخطاب بصيغة الجمع لقصد التعظيم طريقة عربية ، وهو يلزم صيغة التذكير فيقال في خطاب المرأة إذا قصد تعظيمها : أنتم . ولا يقال : أنتن . قال العرجي
: ... فإن شئتتِ حرَّمتُ النساء سواكم
وإن شئتتِ لم أطعم نُقاخاً ولا بردا ... فقال : سواكم ، وقال جعفر بن علبة الحارثي من شعراء الحماسة
: ... فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم
لشيء ولا أني من الموت أفرق ... فقال : بعدكم ، وقد حصل لي هذا باستقراء كلامهم ولم أر من وقَّف عليه .
وجملة الترجي في موضع العلة لمضمون { ارجعون } .