فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) وبين ذلك بالتفريع بقوله : { فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون } فهو متفرّع على قوله { فاستكبروا } ، أي استكبر فرعون وملؤه عن اتباع موسى وهارون ، فأفصحوا عن سبب استكبارهم عن ذلك بقولهم { أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون } . وهذا ليس من قول فرعون ولكنه قول بعض الملإ لبعض ، ولما كانوا قد تراوضوا عليه نسب إليهم جميعاً . وأما فرعون فكان مصغياً لرأيهم ومشورتهم وكان له قول آخر حكي في قوله تعالى : { وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمتُ لكم من إله غيري } [ القصص : 38 ] فإن فرعون كان معدوداً في درجة الآلهة لأنه وإن كان بشراً في الصورة لكنه اكتسب الإلهية بأنه ابن الآلهة .
والاستفهام في { أنؤمن } إنكاري ، أي ما كان لنا أن نؤمن بهما وهما مثلنا في البشرية وليسا بأهل لأن يكونا ابنين للآلهة لأنهما جاءا بتكذيب إلهية الآلهة ، فكان ملأ فرعون لضلالهم يتطلبون لصحة الرسالة عن الله أن يكون الرسول مبايناً للمرسل إليهم ، فلذلك كانوا يتخيلون آلهتهم أجناساً غريبة مثل جسد آدمي ورأس بقرة أو رأس طائر أو رأس ابن آوى أو جسد أسد ورأس آدمي ، ولا يقيمون وزناً لتباين مراتب النفوس والعقول وهي أجدر بظهور التفاوت لأنها قرارة الإنسانيَّة .
وهذه الشبهة هي سبب ضلال أكثر الأمم الذين أنكروا رسلهم .
واللام في قوله : { لبشرين } لتعدية فعل { نؤمن } . يقال للذي يصدّق المخبر فيما أخبر به : آمن له ، فيعدى فعل ( آمن ) باللام على اعتبار أنه صدّق بالخبر لأجْل المخبر ، أي لأجل ثقته في نفسه . فأصل هذه اللام لام العلة والأجْل . ومنه قوله تعالى : { فآمن له لوط } [ العنكبوت : 26 ] وقوله : { وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون } [ الدخان : 21 ] . وأما تعدية فعل الإيمان بالباء فإنها إذا علق به ما يدل على الخبر تقول : آمنت بأن الله واحد . وبهذا ظهر الفرق بين قولك : آمنت بمحمد وقولك : آمنت لمحمد . فمعنى الأول : أنك صدقت شيئاً . ولذلك لا يقال : آمنت لله وإنما يقال : آمنت بالله . وتقول : آمنت بمحمد وآمنت لمحمد . ومعنى الأول يتعلق بذاته وهو الرسالة ومعنى الثاني أنك صدقته فيما جاء به .
و { مثلنا } وصف { لبشرين } وهو مما يصح التزام إفراده وتذكيره دون نظر إلى مخالفة صيغه موصوفه كما هنا . ويصح مطابقته لموصوفه كما في قوله تعالى : { إن الذين تدعون من دون الله عبادٌ أمثالُكم } [ الأعراف : 194 ] .
وهذا طعن في رسالتهما من جانب حالهما الذاتي ثم أعقبوه بطعن من جهة منشئهما وقبيلهما فقالوا : { وقومهما لنا عابدون } ، أي وهم من فريق هم عباد لنا وأحط منا فكيف يسوداننا .
وقوله : { عابدون } جمع عابد ، أي مطيع خاضع . وقد كانت بنو إسرائيل خَوَلاً للقبط وخدماً لهم قال تعالى : { وتلك نعمة تمنُّها عليّ أن عبَّدت بني إسرائيل } [ الشعراء : 22 ] .