إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) هذا الكلام مقابل ما تضمنته الغمرة من قوله { فذرهم في غمرتهم } [ المؤمنون : 54 ] من الإعراض عن عبادة الله وعن التصديق بآياته ، ومن إشراكهم آلهة مع الله ، ومن شحهم عن الضعفاء وإنفاق مالهم في اللذات ، ومن تكذيبهم بالبعث . كل ذلك مما شملته الغمرة فجيء في مقابلها بذكر أحوال المؤمنين ثناء عليهم ، ألا ترى إلى قوله بعد هذا { بل قلوبهم في غمرة من هذا } [ المؤمنون : 63 ] .
فكانت هذه الجملة كالتفصيل لإجمال الغمرة مع إفادة المقابلة بأحوال المؤمنين . واختير أن يكون التفصيل بذكر المقابل لحسن تلك الصفات وقبح أضدادها تنزيها للذكر عن تعداد رذائلهم ، فحصل بهذا إيجاز بديع ، وطباق من ألطف البديع ، وصون للفصاحة من كراهة الوصف الشنيع .
وافتتاح الجملة ب { إن } للاهتمام بالخبر ، والإتيان بالموصولات للإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو أنهم يسارعون في الخيرات ويسابقون إليها وتكرير أسماء الموصولات للاهتمام بكل صلة من صلاتها فلا تذكر تبعاً بالعطف . والمقصود الفريق الذين اتصفوا بصلة من هذه الصلات . و ( من ) في قوله { من خشية ربهم } للتعليل .
والإشفاق : توقع المكروه وتقدم عند قوله تعالى : { وهم من خشيته مشفقون } في سورة الأنبياء ( 28 ) . وقد حذف المتوقع منه لظهور أنه هو الذي كان الإشفاق بسبب خشيته ، أي يتوقعون غضبه وعقابه .
والمراد بالآيات الدلائل التي تضمنها القرآن ومنها إعجاز القرآن . والمعنى : أنهم لخشية ربهم يخافون عقابه ، فحذف متعلق { مشفقون } لدلالة السياق عليه .
وتقديم المجرورات الثلاثة على عواملها للرعاية على الفواصل مع الاهتمام بمضمونها .