وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)
عطف على { ويوم نحشر من كل أمة فوجاً } [ النمل : 83 ] ، عاد به السياق إلى الموعظة والوعيد فإنهم لما ذكروا ب«يوم يحشرون إلى النار» ذكروا أيضاً بما قبل ذلك وهو يوم النفخ في الصور ، تسجيلاً عليهم بإثبات وقوع البعث وإنذاراً بما يعقبه مما دل عليه قوله { ءاتوه داخرين } وقوله { ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله } .
والنفخ في الصور تقدم في قوله { وله الملك يوم ينفخ في الصور } في سورة الأنعام ( 73 ) وهو تقريب لكيفية صدور الأمر التكويني لإحياء الأموات وهو النفخة الثانية المذكورة في قوله تعالى { ثم نُفِخَ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر : 68 ] ، وذلك هو يوم الحساب . وأما النفخة الأولى فهي نفخة يعنى بها الإحياء ، أي نفخ الأرواح في أجسامها وهي ساعة انقضاء الحياة الدنيا فهم يصعقون ، ولهذا فرع عليه قوله { ففزع من في السموات ومن في الأرض } ، أي عقبه حصول الفزع وهو الخوف من عاقبة الحساب ومشاهدة معدات العذاب ، فكل أحد يخشى أن يكون معذباً ، فالفزع حاصل مما بعد النفخة وليس هو فزعاً من النفخة لأن الناس حين النفخة أموات .
والاستثناء مجمل يبينه قوله تعالى بعد { من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ ءامنون } [ النمل : 89 ] وقوله { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } إلى قوله { لا يحزنهم الفزع الأكبر } [ الأنبياء : 101 103 ] وذلك بأن يبادرهم الملائكة بالبشارة . قال تعالى { وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } [ الأنبياء : 103 ] وقال { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } [ يونس : 64 ] .
وجيء بصيغة الماضي في قوله { ففزع } مع أن النفخ مستقبل ، للإشعار بتحقق الفزع وأنه واقع لا محالة كقوله { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] لأن المضي يستلزم التحقق فصيغة الماضي كناية عن التحقق ، وقرينة الاستقبال ظاهرة من المضارع في قوله { ينفخ } .
والداخرون : الصاغرون . أي الأذلاء ، يقال : دَخِرَ بوزن منع وفرِح والمصدر الدخر بالتحريك والدخور .
وضمير الغيبة الظاهر في { ءاتوه } عائد إلى اسم الجلالة ، والإتيان إلى الله الإحضار في مكان قضائه ويجوز أن يعود الضمير على { يوم ينفخ في الصور } على تقدير : ءاتون فيه والمضاف إليه ( كل ) المعوض عنه التنوين ، تقديره : من فزع ممن في السموات والأرض آتوه داخرين . وأما من استثنى الله بأنه شاء أن لا يفزعوا فهم لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة .
وقرأ الجمهور { آتوه } بصيغة اسم الفاعل من أتى . وقرأ حمزة وحفص { أتوه } بصيغة فعل الماضي فهو كقوله { ففزع } .