هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) لما سفَّه قولهم في القرآن : إنه قول كاهن ، فرد عليهم بقوله : { وما تنزلت به الشياطين } [ الشعراء : 210 ] وأنه لا ينبغي للشياطين ولا يستطيعون مثله ، وأنهم حيل بينهم وبين أخبار أوليائهم ، عاد الكلام إلى وصف حال كهانهم ليعلم أن الذي رَمَوا به القرآن لا ينبغي أن يلتبس بحال أوليائهم . فالجملة متصلة في المعنى بجملة : { وما تنزلت به الشياطين } [ الشعراء : 210 ] ، أي ما تنزّلت الشياطين بالقرآن على محمد { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين } .
وألقي الكلام إليهم في صورة استفهامهم عن أن يُعرِّفهم بمن تتنزل عليه الشياطين ، استفهاماً فيه تعريض بأن المستفهم عنه مما يسوءهم لذلك ويحتاج فيه إلى إذنهم بكشفه .
وهذا الاستفهام صوري مستعمل كناية عن كون الخبر مما يستأذن في الإخبار به . واختير له حرف الاستفهام الدال على التحقيق وهو { هل } لأن هل في الاستفهام بمعنى ( قد ) والاستفهام مقدّر فيها بهمزة الاستفهام ، فالمعنى : أنبئكم إنباءً ثابتاً محققاً وهو استفهام لا يترقب منه جواب المستفهَم لأنه ليس بحقيقي فلذلك يعقبه الإفضاء بما استفهم عنه قبل الإذن من السامع . ونظيره في الجواب قوله تعالى : { عَمّ يتساءلون عن النبإ العظيم } [ النبأ : 1 ، 2 ] وإن كان بين الاستفهامين فرق .
وفعل { أنبئكم } معلق عن العمل بالاستفهام في قوله : { على من تنزل الشياطين } . وهو أيضاً استفهام صوري معناه الخبر كناية عن أهمية الخبر بحيث إنه مما يستفهم عنه المتحسِّسون ويتطلبونه ، فالاستفهام من لوازم الاهتمام .
والمجرور مقدم على عامله للاهتمام بالمتنزَّل عليه ، وأصل التركيب : من تنزَّل عليه الشياطين ، فلما قدم المجرور دخل حرف { على } على اسم الاستفهام وهو { مَن } لأن ما صْدَقَها هو المتنزّل عليه ، ولا يعكر عليه أن المتعارف أن يكون الاستفهام في صدر الكلام ، لأن أسماء الاستفهام تضمنت معنى الإسمية وهو أصلها ، وتضمنت معنى همزة الاستفهام كما تضمنته { هل } ، فإذا لزم مجيء حرف الجر مع أسماء الاستفهام ترجح فيها جانب الإسمية فدخل الحرف عليها ولم تُقدّم هي عليه ، فلذلك تقول : أعلى زيد مررتَ؟ ولا تقول : مَن عَلى مررت؟ وإنما تقول : على من مررت؟ وكذا في بقية أسماء الاستفهام نحو { عمّ يتساءلون } [ النبأ : 1 ] ، { مِنْ أي شيء خلقه } [ عبس : 18 ] ، وقولهم : عَلاَم ، وإلام ، وحتّام ، و { فيمَ أنت من ذكراها } [ النازعات : 43 ] .