قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) والأصنام لا إدراك لها فلا توصف بالعداوة وجملة : { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } مفرّعة على جمل كلام القوم المتضمنة عبادتهم الأصنام وأنهم مقتدون في ذلك بآبائهم . فالفاء في { أفرأيتم } للتفريع وقدم عليها همزة الاستفهام اتّباعاً للاستعمال المعروف وهو صدارة أدوات الاستفهام . وفعل الرؤية قلبي .
ومثل هذا التركيب يستعمل في التنبيه على ما يجب أن يعلم على إرادة التعجيب مما يُعلم من شأنه . ولذلك كثر إردافه بكلام يشير إلى شيء من عجائب أحوال مفعول الرؤية كقوله تعالى : { أفرأيتَ الذي تولّى وأعطى قليلاً } [ النجم : 33 - 34 ] الآية ، ومنه تعقيب قوله هنا { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } بقوله : { فإنهم عدو لي } .
وعطف { آباؤكم } على { أنتم } لزيادة إظهار قلة اكتراثه بتلك الأصنام مع العلم بأن الأقدمين عبدوها فتضمن ذلك إبطالَ شبهتهم في استحقاقها العبادة .
ووصف الآباء بالأقدمية إيغال في قلة الاكتراث بتقليدهم لأن عرف الأمم أن الآباء كلما تقادم عهدهم كان تقليدهم آكد . والفاء في قوله : { فإنهم عدو لي } للتفريع على ما اقتضته جملة : { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } من التعجيب من شأن عبادتهم إياها . ويجوز جعل الرؤية بصرية لها مفعول واحد وجَعْل الاستفهام تقريرياً والكلام مستعمل في التنبيه لشيء يريد المتكلم الحديث عنه ليعيه السامع حق الوعي ، أو فاء فصيحة بتقدير : إن رأيتموهم فاعلموا أنهم عدُوّ لي . وهذا الوجه أظهر .