نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)
والذي أراه : أنه يحتمل الحقيقة والمجاز؛ فإن سلكنا به مسلك الحمل على الحقيقة كان المعنى أنه أقربهم إلى اختلاق الاعتذار عن خطئهم في إنكارهم البعث بأنهم ظنوا البعث واقعاً بعد طول المكث في الأرض طولاً تتلاشى فيه أجزاء الأجسام ، فلما وجدوا أجسادهم كاملة مثل ما كانوا في الدنيا قال بعضهم { إن لبثتم إلا عشراً } ، فكان ذلك القول عذراً لأن عشر الليالي تتغيّر في مثلها الأجسام . فكان الذي قال { إن لبثتم إلا يوماً } أقرب إلى رواج الاعتذار . فالمراد : أنه الأمثل من بينهم في المعاذير ، وليس المراد أنه مصيب .
وإن سلكنا به مسلك المجاز فهو تهكم بالقائل في سوء تقديره من لبثهم في القبور ، فلما كان كلا التقديرين متوغّلاً في الغلظ مؤذناً بجهل المقدّرين واستِبهام الأمر عليهم دالاً على الجهل بعظيم قدرة الله تعالى الذي قَضّى الأزمانَ الطويلة والأممَ العظيمة وأعادهم بعد القرون الغابرة ، فكان الذي قدر زمن المكث في القبور بأقلِّ قَدْر أوغل في الغلط فعُبر عنه ب { أمْثَلُهُم طَرِيقَةً } تهكماً به وبهم معاً إذ استوى الجميع في الخطأ .
وجملة { نحنُ أعلَمُ بما يَقُولُونَ } معترضة بين فعل { يتخافتون وظرفِية إذْ يَقُولُ أمْثَلُهُم } ، أي إنهم يقولون ذلك سراً ونحن أعلم به وإننا نخبر عن قولهم يومئذ خبر العليم الصادق .