تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4) و { تنزيلاً } حال من { القُرءَانَ } ثانية .
والمقصود منها التنويه بالقرآن والعناية به لينتقل من ذلك إلى الكناية بأن الذي أنزله عليك بهذه المثابة لا يترك نصرك وتأييدك .
والعدول عن اسم الجلالة أو عن ضميره إلى الموصولية لما تؤذن به الصلة من تحتم إفراده بالعبادة ، لأنه خالق المخاطبين بالقرآن وغيرهم مما هو أعظم منهم خلقاً ، ولذلك وُصف والسَّمَاوات بالعُلَى صفةً كاشفةً زيادة في تقرير معنى عظمة خالقها . وأيضاً لمّا كان ذلك شأن مُنْزل القرآن لا جرم كان القرآن شيئاً عظيماً ، كقول الفرزدق :
إنّ الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعزّ وأطول
و { الرحمن } يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف لازم الحذف تبعاً للاستعمال في حذف المسند إليه كما سماه السكّاكي . ويجوز أن يكون مبتدأ . واختير وصف { الرحمن } لتعليم النّاس به لأن المشركين أنكروا تسميته تعالى الرحمان : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان } [ الفرقان : 60 ]. وفي ذكره هنا وكثرة التذكير به في القرآن بعث على إفراده بالعبادة شكراً على إحسانه بالرحمة البالغة .