قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) . انتقل موسى من محاورة قومه إلى محاورة أخيه ، فجملة { قَالَ ياهارون } تابعة لجملة { قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً } [ طه : 86 ] ، ولجملة { قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا } [ طاه : 87 ] وقد وجدت مناسبة لحكاية خطابه هارون بعد أن وقع الفصْل بين أجزاء الحكاية بالجمل المعترضة التي منها جملة { ولقد قال لهم هارون من قبل } [ طه : 90 ] الخ فهو استطراد في خلال الحكاية للإشعار بعذر هارون كما تقدم . ويحتمل أن تكون عطفاً على جملة { ولقد قال لهم هارون } الخ على احتمال كون تلك من حكاية كلام قوم موسى .
علم موسى أن هارون مخصوص من قومه بأنّه لم يعبد العجل ، إذ لا يجوز عليه ذلك لأنّ الرسالة تقتضي العصمة ، فلذلك خصه بخطاب يناسب حاله بعد أن خاطب عموم الأمة بالخطاب الماضي . وهذا خطاب التوبيخ والتهديد على بقائه بين عبدة الصنم .
والاستفهام في قوله { مَا مَنَعَكَ } إنكاري ، أي لا مانع لك من اللحاق بي ، لأنه أقامه خليفة عنه فيهم فلما لم يمتثلوا أمره كان عليه أن يرد الخلافة إلى من استخلفه . و { إذْ رأيْتَهُم } متعلق ب { مَنَعَكَ }. و ( أنْ ) مصدرية ، و ( لا ) حرف نفي . وهي مؤذنة بفعل محذوف يناسب معنى النفي . والمصدر الذي تقتضيه ( أن ) هو مفعول الفعل المحذوف . وأما مفعول { مَنَعَكَ } فمحذوف يدلّ عليه { مَنَعَكَ } ويدل عليه المذكور . والتقدير : ما منَعك أن تتبعني واضطرّك إلى أنْ لا تتبعني ، فيكون في الكلام شِبه احتباك . والمقصود تأكيدُ وتشديدُ التوبيخ بإنكار أن يكون لهارونَ مانع حينئذ من اللحاق بموسى ومقتض لعدم اللحاق بموسى ، كما يقال : وُجد السبب وانتفَى المانع .
ونظيره قوله تعالى : { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } في سورة الأعراف ( 12 ) فارجعْ إليه .