قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) وجملة قال رب لم حشرتني أعمى } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً .
وجملة { قال كذلك أتتك } الخ واقعة في طريق المحاورة فلذلك فصلت ولم تعطف .
وفي هذه الآية دليل على أنّ الله أبلغ الإنسان من يوم نشأته التحذير من الضلال والشرك ، فكان ذلك مستقراً في الفطرة حتى قال كثير من علماء الإسلام : بأن الإشراك بالله من الأمم التي يكون في الفتر بين الشرائع مستحق صاحبه العقاب ، وقال جماعة من أهل السنّة والمعتزلة قاطبة : إنّ معرفة الله واجبة بالعقل ، ولا شك أنّ المقصود من ذكرها في القرآن تنبيه المخاطبين بالقرآن إلى الحذر من الإعراض عن ذكر الله ، وإنذار لهم بعاقبة مثل حالهم .
والإشارة في { كذلك أتتك آياتنا } راجعة إلى العمى المضمن في قوله { لم حشرتني أعمى } ، أي مثل ذلك الحال التي تساءلت عن سببها كنت نسيت آياتنا حين أتتك ، وكنت تُعرض عن النظر في الآيات حين تُدعى إليه فكذلك الحال كان عقابك عليه جزاءً وفاقاً .
وقد ظهر من نظم الآية أن فيها ثلاثة احتباكات ، وأن تقدير الأول : ونحشره يوم القيامة أعمى ونَنْساه ، أي نُقصيه من رحمتنا . وتقدير الثاني والثالث : قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وعميتَ عنها فكذلك اليوم تنسى وتُحْشَر أعمى .
والنسيان في الموضعين مستعمل كناية أو استعارة في الحرمان من حظوظ الرحمة .