وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)
وجملة { وأضلّ فرعونُ قومه } في موضع الحال من الضمير في { غَشِيَهُمْ }. والإضلال : الإيقاع في الضلال ، وهو خطأ الطريق الموصّل . ويستعمل بكثرة في معنى الجهالة وعَمَل ما فيه ضرّ وهو المراد هنا . والمعنى : أنّ فرعون أوقع قومه في الجهالة وسوء العاقبة بما بثّ فيهم من قلب الحقائق والجهل المركب ، فلم يصادفوا السداد في أعمالهم حتى كانت خاتمتها وقوعهم غرقى في البحر بعناده في تكذيب دعوة موسى عليه السلام .
وعَطْفُ { وما هدى } على { أضلّ } : إما من عطف الأعمّ على الأخص لأنّ عدم الهدى يصدق بترك الإرشاد من دون إضلال؛ وإما أن يكون تأكيداً لفظياً بالمرادف مؤكداً لنفي الهدى عن فرعون لقومه فيكون قوله { وما هدى تأكيداً لأضلّ } بالمرادف كقوله تعالى : { أموات غير أحياء } [ النحل : 21 ] وقول الأعشى :
حفاة لا نعال لنا ... » من قوله :
إمّا تَرَيْنَا حُفَاةً لا نِعال لنا ... إنّا كذلككِ ما نحفَى وننتعل
وفي «الكشاف» : إن نكتة ذكر { وما هدى } التهكم بفرعون في قوله { وما أهديكم إلا سبيل الرشاد اه . يعني أن في قوله وما هدى } تلميحاً إلى قصة قوله المحكي في سورة غافر ( 29 ) : { قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } وما في هذه من قوله { بطريقتكم المثلى } [ طه : 63 ] ، أي هي هَدْي ، فيكون من التلميح إلى لفظ وقع في قصة مفضياً إلى التلميح إلى القصة كما في قول مُهلهل :
لو كُشِف المقابر عن كُليب ... فخُبّر بالذّنائب أيُّ زير
يشير إلى قول كُليب له على وجه الملامة : أنتَ زِير نساء .