قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) هذا حكاية جواب فرعون عن الكلام الذي أمر الله موسى وهارون بإبلاغه فرعون ، ففي الآية حذف جمل دلّ عليها السياق قصداً للإيجاز . والتقدير : فأتَيَاه فقالا له ما أمِرا به ، فقال : فمن ربّكما؟ .
ولذلك جاءت حكاية قول فرعون بجملة مفصولة على طريقة حكاية المحاورات التي استقريناها من أسلوب القرآن وبَينّاها في سورة البقرة وغيرها .
ووجّه فرعون الخطاب إليهما بالضمير المشترك ، ثمّ خصّ موسى بالإقبال عليه بالنداء ، لعلمه بأنّ موسى هو الأصل بالرسالة وأنّ هارون تابع له ، وهذا وإن لم يحتو عليه كلامهما فقد تعيّن أن يكون فرعون عَلِمه من كيفيّة دخولهما عليه ومخاطبته ، ولأنّ موسى كان معروفاً في بلاط فرعون لأنه ربيُّه أو رَبيّ أبيه فله سابقة اتصال بدار فرعون ، كما دلّ عليه قوله له المحكي في آية سورة الشعراء ( 18 ) : { قال ألم نربّك فينا وليداً ولبثتَ فينا من عمرك سنين } الآية . ولعلّ موسى هو الذي تولى الكلام وهارون يصدقه بالقول أو بالإشارة .
وإضافته الرب إلى ضميرهما لأنّهما قالا له { إنّا رسولا ربّك } [ طه : 47 ].
وأعرض عن أن يقول : فمن ربي؟ إلى قوله { فمن ربُّكما } إعراضاً عن الاعتراف بالمربوبية ولو بحكاية قولهما ، لئلا يقع ذلك في سمع أتباعه وقومه فيحسبوا أنه متردد في معرفة ربّه ، أو أنه اعترف بأنّ له ربّاً . وتولى موسى الجواب لأنّه خصّ بالسؤال بسبب النّداء له دون غيره .
وأجاب موسى بإثبات الربوبية لله لجميع الموجودات جرياً على قاعدة الاستدلال بالكلية على الجزئية بحيث ينتظم من مجموعهما قياس ، فإن فرعون من جملة الأشياء ، فهو داخل في عموم { كل شيء }.