تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الهمزة الأية 1


سورة Sura   الهمزة   Al-Humaza
الصفحة Page 601
وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)

تفسير سورة الهمزة مكية بإجماع . وهي تسع آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

ويل لكل همزة لمزة

قد تقدم القول في الويل في غير موضع ، ومعناه الخزي والعذاب والهلكة . وقيل : واد في جهنم . لكل همزة لمزة قال ابن عباس : هم المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب ; فعلى هذا هما بمعنى . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : شرار عباد الله تعالى المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب . وعن ابن عباس أن الهمزة : الذي يغتاب واللمزة : العياب . وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وعطاء بن أبي رباح : الهمزة : الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل ، واللمزة : الذي يغتابه من خلفه إذا غاب ; ومنه قول حسان :

همزتك فاختضعت بذل نفس بقافية تأجج كالشواظ

واختار هذا القول النحاس ، قال : ومنه قوله تعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات . وقال مقاتل ضد هذا الكلام : إن الهمزة : الذي يغتاب بالغيبة ، واللمزة : الذي يغتاب في الوجه . وقال قتادة ومجاهد : الهمزة : الطعان في الناس ، واللمزة : الطعان في أنسابهم . وقال ابن زيد : الهامز : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم . وقال سفيان الثوري يهمز بلسانه ، ويلمز بعينيه . وقال ابن كيسان : الهمزة الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ ، واللمزة : الذي يكسر عينه على جليسه ، ويشير بعينه ورأسه وبحاجبيه . وقال مرة : هما سواء ; وهو القتات الطعان للمرء إذا غاب . وقال زياد الأعجم :

تدلي بودي إذا لاقيتني كذبا وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه

وقال آخر :

إذا لقيتك عن سخط تكاشرني وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه

السخط : البعد . والهمزة : اسم وضع للمبالغة في هذا المعنى ; كما يقال : سخرة وضحكة : للذي يسخر ويضحك بالناس . وقرأ أبو جعفر محمد بن علي والأعرج همزة لمزة بسكون الميم فيهما . فإن صح ذلك عنهما ، فهي في معنى المفعول ، وهو الذي يتعرض للناس حتى يهمزوه ويضحكوا منه ، ويحملهم على الاغتياب . وقرأ عبد الله بن مسعود وأبو وائل والنخعي والأعمش : ويل للهمزة اللمزة . وأصل الهمز : الكسر ، والعض على الشيء بعنف ; ومنه همز الحرف . ويقال : همزت رأسه . وهمزت الجوز بكفي كسرته . وقيل لأعرابي : أتهمزون ( الفارة ) ؟ فقال : إنما تهمزها الهرة . الذي في الصحاح : وقيل لأعرابي أتهمز الفارة ؟ فقال السنور يهمزها . والأول قاله الثعلبي ، وهو يدل على أن الهر يسمى الهمزة . قال العجاج :

ومن همزنا رأسه تهشما

وقيل : أصل الهمز واللمز : الدفع والضرب . لمزه يلمزه لمزا : إذا ضربه ودفعه . وكذلك همزه : أي دفعه وضربه . قال الراجز :

ومن همزنا عزه تبركعا على استه زوبعة أو زوبعا

البركعة : القيام على أربع . وبركعه فتبركع ; أي صرعه فوقع على استه ; قاله في الصحاح . والآية نزلت في الأخنس بن شريق ، فيما روى الضحاك عن ابن عباس . وكان يلمز الناس ويعيبهم : مقبلين ومدبرين . وقال ابن جريج : في الوليد بن المغيرة ، وكان يغتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ورائه ، ويقدح فيه في وجهه . وقيل : نزلت في أبي بن خلف . وقيل : في جميل بن عامر الثقفي . وقيل : إنها مرسلة على العموم من غير تخصيص ; وهو قول الأكثرين . قال مجاهد : ليست بخاصة لأحد ، بل لكل من كانت هذه صفته . وقال الفراء : يجوز أن يذكر الشيء العام ويقصد به الخاص ، قصد الواحد إذا قال : لا أزورك أبدا . فتقول : من لم يزرني فلست بزائره ; يعني ذلك القائل .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022