تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الشورى الأية 11


سورة Sura   الشورى   Ash-Shura
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) ۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
الصفحة Page 484
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)

قوله تعالى : فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

قوله تعالى : فاطر السماوات والأرض بالرفع على النعت لاسم الله ، أو على تقدير هو فاطر . ويجوز النصب على النداء ، والجر على البدل من الهاء في ( عليه ) ، والفاطر : المبدع والخالق . وقد تقدم .

جعل لكم من أنفسكم أزواجا قيل معناه إناثا . وإنما قال : من أنفسكم لأنه خلق حواء من ضلع آدم . وقال مجاهد : نسلا بعد نسل . ومن الأنعام أزواجا يعني الثمانية التي ذكرها في ( الأنعام ) ذكور الإبل والبقر والضأن والمعز وإناثها . يذرؤكم فيه أي يخلقكم وينشئكم فيه أي : في الرحم . وقيل : في البطن . وقال الفراء وابن كيسان : ( فيه ) بمعنى به . وكذلك قال الزجاج : معنى ( يذرؤكم فيه ) يكثركم به ، أي : يكثركم يجعلكم أزواجا ، أي : حلائل ، لأنهن سبب النسل . وقيل : إن الهاء في ( فيه ) للجعل ، ودل عليه ( جعل ) ، فكأنه قال : يخلقكم ويكثركم في الجعل . ابن قتيبة : يذرؤكم فيه أي : في الزوج ، أي : يخلقكم في بطون الإناث . وقال : ويكون ( فيه ) في الرحم ، وفيه بعد ; لأن الرحم مؤنثة ولم يتقدم لها ذكر . ليس كمثله شيء وهو السميع البصير قيل : إن الكاف زائدة للتوكيد ، أي : ليس مثله شيء . قال :

وصاليات ككما يؤثفين

فأدخل على الكاف كافا تأكيدا للتشبيه . وقيل : المثل زائدة للتوكيد ، وهو قول ثعلب : ليس كهو شيء ، نحو قوله تعالى : فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا . وفي حرف ابن مسعود ( فإن آمنوا بما آمنتم به فقد اهتدوا ) قال أوس بن حجر :

وقتلى كمثل جذوع الن خيل يغشاهم مطر منهمر

أي : كجذوع . والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلي صفاته ، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به ، وإنما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق ، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي ، إذ صفات القديم - جل وعز - بخلاف صفات المخلوق ، إذ صفاتهم لا تنفك عن الأغراض والأعراض ، وهو تعالى منزه عن ذلك ، بل لم يزل بأسمائه وبصفاته على ما بيناه في ( الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى ) ، وكفى في هذا قوله الحق : ( ليس كمثله شيء ) وقد قال بعض العلماء المحققين : التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة من الصفات . وزاد الواسطي رحمه الله بيانا فقال : ليس كذاته ذات ، ولا كاسمه اسم ، ولا كفعله فعل ، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ ، وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة ، كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة . وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة . - رضي الله عنهم!

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022