قوله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين .
قوله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام شرح فتح ووسع . قال ابن عباس : وسع صدره للإسلام حتى ثبت فيه . وقال السدي : وسع صدره بالإسلام للفرح به والطمأنينة إليه ، فعلى هذا لا يجوز أن يكون هذا الشرح إلا بعد الإسلام ، وعلى الوجه الأول يجوز أن يكون الشرح قبل الإسلام . فهو على نور من ربه أي على هدى من ربه . كمن طبع على قلبه وأقساه . ودل على هذا المحذوف قوله : فويل للقاسية قلوبهم قال المبرد : يقال : قسا القلب إذا صلب ، وكذلك عتا وعسا مقاربة لها . وقلب قاس أي : صلب لا يرق ولا يلين . والمراد بمن شرح الله صدره هاهنا فيما ذكر المفسرون علي وحمزة - رضي الله عنهما . وحكى النقاش أنه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - . وقال مقاتل : عمار بن ياسر . وعنه أيضا والكلبي : رسول الله صلى الله عليه وسلم . والآية عامة فيمن شرح الله صدره بخلق الإيمان فيه . وروى مرة عن ابن مسعود قال : قلنا : يا رسول الله ، قوله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه كيف انشرح صدره ؟ قال : إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح . قلنا : يا رسول الله ، وما علامة ذلك ؟ . قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله وخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث ابن عمر : أن رجلا قال : يا رسول الله ، أي المؤمنين أكيس ؟ قال : أكثرهم للموت ذكرا ، وأحسنهم له استعدادا ، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع . قالوا : فما آية ذلك يا نبي الله ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت فذكر - صلى الله عليه وسلم - خصالا ثلاثة ، ولا شك أن من كانت فيه هذه الخصال فهو الكامل الإيمان ، فإن الإنابة إنما هي أعمال البر ; لأن دار الخلود إنما وضعت جزاء لأعمال البر ، ألا ترى كيف ذكره الله في مواضع في تنزيله ثم قال بعقب ذلك : " جزاء بما كانوا يعملون " فالجنة جزاء الأعمال ، فإذا انكمش العبد في أعمال البر فهو إنابته إلى دار الخلود ، وإذا خمد حرصه عن الدنيا ، ولها عن طلبها ، وأقبل على ما يغنيه منها فاكتفى به وقنع ، فقد تجافى عن دار الغرور . وإذا أحكم أموره بالتقوى فكان ناظرا في كل أمر ، واقفا متأدبا متثبتا حذرا يتورع عما يريبه إلى ما لا يريبه ، فقد استعد للموت . فهذه علامتهم في الظاهر . وإنما صار هكذا لرؤية الموت ، ورؤية صرف الآخرة عن الدنيا ، ورؤية الدنيا أنها دار الغرور ، وإنما صارت له هذه الرؤية بالنور الذي ولج القلب .
وقوله تعالى : فويل للقاسية قلوبهم قيل : المراد أبو لهب وولده ، ومعنى : " من ذكر الله " أن قلوبهم تزداد قسوة من سماع ذكره . وقيل : إن من بمعنى عن ، والمعنى قست عن قبول ذكر الله . وهذا اختيار الطبري . وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله تعالى : اطلبوا الحوائج من السمحاء ؛ فإني جعلت فيهم رحمتي ، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم ؛ فإني جعلت فيهم سخطي . وقال مالك بن دينار : ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب ، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم .