قوله تعالى وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون
قوله تعالى : وحسبوا ألا تكون فتنة المعنى ; ظن هؤلاء الذين أخذ عليهم الميثاق أنه لا يقع من الله عز وجل ابتلاء واختبار بالشدائد ، اغترارا بقولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وإنما اغتروا بطول الإمهال ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي " تكون " بالرفع ; ونصب الباقون ; فالرفع على أن حسب بمعنى علم وتيقن . و " أن " مخففة من الثقيلة ودخول " لا " عوض من التخفيف ، وحذف الضمير لأنهم كرهوا أن يليها الفعل وليس من حكمها أن تدخل عليه ; ففصلوا بينهما ( بلا ) ، ومن نصب جعل " أن " ناصبة للفعل ، وبقي حسب على بابه من الشك وغيره . قال سيبويه : حسبت ألا يقول ذلك ; أي : حسبت أنه قال ذلك ، وإن شئت نصبت ; قال النحاس : والرفع عند النحويين في حسب وأخواتها أجود كما قال امرؤ القيس :
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وألا يشهد اللهو أمثالي
وإنما صار الرفع أجود ; لأن حسب وأخواتها بمنزلة العلم لأنه شيء ثابت .
قوله تعالى : فعموا أي : عن الهدى . وصموا أي : عن سماع الحق ; لأنهم لم ينتفعوا بما رأوه ولا سمعوه . ( ثم تاب الله عليهم ) في الكلام إضمار ، أي : أوقعت بهم الفتنة فتابوا فتاب الله عليهم بكشف القحط ، أو بإرسالمحمد صلى الله عليه وسلم يخبرهم بأن الله يتوب عليهم إن آمنوا ، فهذا بيان تاب الله عليهم أي : يتوب عليهم إن آمنوا وصدقوا لا أنهم تابوا على الحقيقة . ثم عموا وصموا كثير منهم أي : عمي كثير منهم وصم بعد تبين الحق لهم بمحمد عليه الصلاة والسلام ; فارتفع كثير على البدل من الواو ، وقال الأخفش سعيد : كما تقول رأيت قومك ثلثيهم ، وإن شئت كان على إضمار مبتدأ أي العمي والصم كثير منهم . وإن شئت كان التقدير : العمي والصم منهم كثير ، وجواب رابع أن يكون على لغة من قال : ( أكلوني البراغيث ) وعليه قول الشاعر ( هو الفرزدق ) :
ولكن ديافي أبوه وأمه بحوران يعصرن السليط أقاربه
ومن هذا المعنى قوله : وأسروا النجوى الذين ظلموا ، ويجوز في غير القرآن ( كثيرا ) بالنصب يكون نعتا لمصدر محذوف .