قوله تعالى : ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي تقدم الكلام في هذا مستوفى فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا أي يابسا لا طين فيه ولا ماء . وقد مضى في ( البقرة ) ضرب موسى البحر وكنيته إياه وإغراق فرعون فلا معنى للإعادة لا تخاف دركا أي لحاقا من فرعون وجنوده . ولا تخشى قال ابن جريج قال أصحاب موسى : هذا فرعون قد أدركنا ، وهذا البحر قد غشينا ، فأنزل الله تعالى لا تخاف دركا ولا تخشى أي لا تخاف دركا من فرعون ولا تخشى غرقا من البحر أن يمسك إن غشيك . وقرأ حمزة ( لا تخف ) على أنه جواب الأمر . التقدير إن تضرب لهم طريقا في البحر لا تخف . ولا تخشى مستأنف على تقدير : ولا أنت تخشى . أو يكون مجزوما والألف مشبعة من فتحة ؛ كقوله : فأضلونا السبيلا أو يكون على حد قول الشاعر [ عبد يغوث بن وقاص ] :
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
على تقدير حذف الحركة كما تحذف حركة الصحيح . وهذا مذهب الفراء . وقال آخر :
هجوت زبان ثم جئت معتذرا من هجو زبان لم تهجو ولم تدع
وقال آخر [ قيس بن زهير العبسي ] :
ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد
قال النحاس : وهذا من أقبح الغلط أن يحمل كتاب الله - عز وجل - على الشذوذ من الشعر ؛ وأيضا فإن الذي جاء به من الشعر لا يشبه من الآية شيئا ؛ لأن الياء والواو مخالفتان للألف ؛ لأنهما تتحركان والألف لا تتحرك ، وللشاعر إذا اضطر أن يقدرهما متحركتين ثم تحذف الحركة للجزم ، وهذا محال في الألف ؛ والقراءة الأولى أبين لأن بعده ولا تخشى مجمع عليه بلا جزم ؛ وفيها ثلاث تقديرات : الأول : أن يكون ( لا تخاف ) في موضع الحال من المخاطب ، التقدير فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا غير خائف ولا خاش . الثاني : أن يكون في موضع النعت للطريق ؛ لأنه معطوف على يبس الذي هو صفة ، ويكون التقدير لا تخاف فيه ؛ فحذف الراجع من الصفة . والثالث : أن يكون منقطعا خبر ابتداء محذوف تقديره وأنت لا تخاف .