سورة " والنجم " مكية ، وهي إحدى وستون آية .
مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس وقتادة : إلا آية منها وهي قوله تعالى : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش الآية . وقيل : اثنتان وستون آية . وقيل : إن السورة كلها مدنية . والصحيح أنها مكية لما روى ابن مسعود أنه قال : هي أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة . وفي البخاري عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم ، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس وعن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد لها ، فما بقي أحد من القوم إلا سجد ; فأخذ رجل من القوم كفا من حصباء أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال : يكفيني هذا . قال عبد الله : فلقد رأيته بعد قتل كافرا ، متفق عليه . الرجل يقال له أمية بن خلف . وفي الصحيحين عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم سورة والنجم إذا هوى فلم يسجد . وقد مضى في آخر " الأعراف " القول في هذا والحمد لله .
بسم الله الرحمن الرحيم
والنجم إذا هوى
قوله تعالى : والنجم إذا هوى قال ابن عباس ومجاهد : معنى والنجم إذا هوى والثريا إذا سقطت مع الفجر ; والعرب تسمي الثريا نجما وإن كانت في العدد نجوما ; يقال : إنها سبعة أنجم ، ستة منها ظاهرة وواحد خفي يمتحن الناس به أبصارهم . وفي ( الشفا ) للقاضي عياض : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى في الثريا أحد عشر نجما . وعن مجاهد أيضا أن المعنى : والقرآن إذا نزل ; لأنه كان ينزل نجوما . وقاله الفراء . وعنه أيضا : يعني نجوم السماء كلها حين تغرب . وهو قول الحسن قال : أقسم الله بالنجوم إذا غابت . وليس يمتنع أن يعبر عنها بلفظ واحد ومعناه جمع ; كقول الراعي :
فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها
وقال عمر بن أبي ربيعة :
أحسن النجم في السماء الثريا والثريا في الأرض زين النساء
وقال الحسن أيضا : المراد بالنجم النجوم إذا سقطت يوم القيامة . وقال السدي : إن النجم هاهنا الزهرة لأن قوما من العرب كانوا يعبدونها . وقيل : المراد به النجوم التي ترجم بها الشياطين ; وسببه أن الله تعالى لما أراد بعث محمد صلى الله عليه وسلم رسولا كثر انقضاض الكواكب قبل مولده ، فذعر أكثر العرب منها وفزعوا إلى كاهن كان لهم ضريرا ، كان يخبرهم بالحوادث فسألوه عنها فقال : انظروا البروج الاثني عشر فإن انقضى منها شيء فهو ذهاب الدنيا ، فإن لم ينقض منها شيء فسيحدث في الدنيا أمر عظيم ، فاستشعروا ذلك ; فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الأمر العظيم الذي استشعروه ، فأنزل الله تعالى : والنجم إذا هوى أي ذلك النجم الذي هوى هو لهذه النبوة التي حدثت . وقيل : النجم هنا هو النبت الذي ليس له ساق ، وهوى أي سقط على الأرض . وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم : والنجم يعني محمدا صلى الله عليه وسلم إذا هوى إذا نزل من السماء ليلة المعراج . وعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أن عتبة بن أبي لهب وكان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الخروج إلى الشام فقال : لآتين محمدا فلأوذينه ، فأتاه فقال : يا محمد هو كافر بالنجم إذا هوى ، وبالذي دنا فتدلى . ثم تفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد عليه ابنته وطلقها ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وكان أبو طالب حاضرا فوجم لها وقال : ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة ، فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره ، ثم خرجوا إلى الشام ، فنزلوا منزلا ، فأشرف عليهم راهب من الدير فقال لهم : إن هذه أرض مسبعة . فقال أبو لهب لأصحابه : أغيثونا يا معشر قريش هذه الليلة ! فإني أخاف على ابني من دعوة محمد ; فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم ، وأحدقوا بعتبة ، فجاء الأسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله . وقال حسان :
من يرجع العام إلى أهله فما أكيل السبع بالراجع
وأصل النجم الطلوع ; يقال : نجم السن ونجم فلان ببلاد كذا أي خرج على السلطان . والهوي النزول والسقوط ; يقال : هوى يهوي هويا مثل مضى يمضي مضيا ; قال زهير :
فشج بها الأماعز وهي تهوي هوي الدلو أسلمها الرشاء
وقال آخر - أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة - :
بينما نحن بالبلاكث فالقا ع سراعا والعيس تهوي هويا
خطرت خطرة على القلب من ذكراك وهنا فما استطعت مضيا
الأصمعي : هوى بالفتح يهوي هويا أي سقط إلى أسفل . قال : وكذلك انهوى في السير إذا مضى فيه ، وهوى وانهوى فيه لغتان بمعنى ، وقد جمعهما الشاعر في قوله :
وكم منزل لولاي طحت كما هوى بأجرامه من قلة النيق منهوي
ويقال في الحب : هوي بالكسر يهوى هوى ; أي أحب .