وله تعالى : واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون
.
قوله تعالى : واعلموا أن فيكم رسول الله فلا تكذبوا ، فإن الله يعلمه أنباءكم فتفتضحون . لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم أي لو تسارع إلى ما أردتم قبل وضوح الأمر لنالكم مشقة وإثم ، فإنه لو قتل القوم الذين سعى بهم الوليد بن عقبة إليه لكان خطأ ، ولعنت من أراد إيقاع الهلاك بأولئك القوم لعداوة كانت بينه وبينهم . ومعنى طاعة الرسول لهم : الائتمار بما يأمر به فيما يبلغونه عن الناس والسماع منهم . والعنت : الإثم ، يقال : عنت الرجل . والعنت أيضا الفجور والزنى ، كما في سورة ( النساء ) والعنت أيضا الوقوع في أمر شاق ، وقد مضى في آخر ( براءة ) القول في عنتم بأكثر من هذا . ولكن الله حبب إليكم الإيمان هذا خطاب للمؤمنين المخلصين الذين لا يكذبون النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يخبرون بالباطل ، أي : جعل الإيمان أحب الأديان إليكم . وزينه بتوفيقه . في قلوبكم أي : حسنه إليكم حتى اخترتموه . وفي هذا رد على القدرية والإمامية وغيرهم ، حسب ما تقدم في غير موضع . فهو سبحانه المنفرد بخلق ذوات الخلق وخلق أفعالهم وصفاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم ، لا شريك له .
وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان قال ابن عباس : يريد به الكذب خاصة . وقاله ابن زيد . وقيل : كل ما خرج عن الطاعة ، مشتق من فسقت الرطبة خرجت من قشرها . والفأرة من جحرها . وقد مضى في ( البقرة ) القول فيه مستوفى . والعصيان جمع المعاصي . أولئك هم يعني هم الذين وفقهم الله فحبب إليهم الإيمان وكره إليهم الكفر أي : قبحه عندهم ، الراشدون كقوله تعالى : وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون . قال النابغة :
يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد
والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه ، من الرشاد وهي الصخرة . قال أبو الوازع : كل صخرة رشادة . وأنشد :
وغير مقلد وموشمات صلين الضوء من صم الرشاد