تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الحشر الأية 23


سورة Sura   الحشر   Al-Hashr
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
الصفحة Page 548
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)

قوله تعالى : هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون

قوله تعالى : هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس أي المنزه عن كل نقص ، والطاهر عن كل عيب . والقدس ( بالتحريك ) : السطل بلغة أهل الحجاز ; لأنه يتطهر به . ومنه القادوس لواحد الأواني التي يستخرج بها الماء من البئر بالسانية . وكان سيبويه يقول : قدوس وسبوح ; بفتح أولهما . وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه سمع عند الكسائي أعرابيا فصيحا يكنى أبا الدينار يقرأ " القدوس " بفتح القاف . قال ثعلب : كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول ; مثل سفود وكلوب وتنور وسمور وشبوط ، إلا السبوح والقدوس فإن الضم فيهما أكثر ; وقد يفتحان . وكذلك الذروح ( بالضم ) وقد يفتح .

السلام أي ذو السلامة من النقائص . وقال ابن العربي : اتفق العلماء رحمة الله عليهم على أن معنى قولنا في الله السلام : النسبة ، تقديره ذو السلامة . ثم اختلفوا في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال :

الأول : معناه الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل نقص . الثاني : معناه ذو السلام ; أي المسلم على عباده في الجنة ; كما قال : سلام قولا من رب رحيم . الثالث : أن معناه الذي سلم الخلق من ظلمه .

قلت : وهذا قول الخطابي ; وعليه والذي قبله يكون صفة فعل . وعلى أنه البريء من العيوب والنقائص يكون صفة ذات . وقيل : السلام معناه المسلم لعباده .

المؤمن أي المصدق لرسله بإظهار معجزاته عليهم ومصدق المؤمنين ما وعدهم به من الثواب ومصدق الكافرين ما أوعدهم من العقاب . وقيل : المؤمن الذي يؤمن أولياءه من عذابه ويؤمن عباده من ظلمه ; يقال : آمنه من الأمان الذي هو ضد الخوف ; كما قال تعالى : وآمنهم من خوف فهو مؤمن ; قال النابغة :

والمؤمن العائذات الطير يمسحها ركبان مكة بين الغيل والسند

وقال مجاهد : المؤمن الذي وحد نفسه بقوله : شهد الله أنه لا إله إلا هو . وقال ابن عباس : إذا كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار . وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي ، حتى إذا لم يبق فيها من يوافق اسمه اسم نبي قال الله تعالى لباقيهم : أنتم المسلمون وأنا السلام ، وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن ، فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين .

المهيمن العزيز تقدم الكلام في المهيمن في المائدة ، وفي العزيز في غير موضع .

الجبار قال ابن عباس : هو العظيم . وجبروت الله عظمته . وهو على هذا القول صفة ذات ، من قولهم : نخلة جبارة . قال امرؤ القيس :

سوامق جبار أثيث فروعه وعالين قنوانا من البسر أحمرا

يعني النخلة التي فاتت اليد . فكان هذا الاسم يدل على عظمة الله وتقديسه عن أن تناله النقائص وصفات الحدث . وقيل : هو من الجبر وهو الإصلاح ، يقال : جبرت العظم فجبر ، إذا أصلحته بعد الكسر ، فهو فعال من جبر إذا أصلح الكسير وأغنى الفقير . وقال الفراء : هو من أجبره على الأمر أي قهره . قال : ولم أسمع فعالا من أفعل إلا في جبار ودراك من أدرك . وقيل : الجبار الذي لا تطاق سطوته .

المتكبر الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله . وقيل : المتكبر عن كل سوء المتعظم عما لا يليق به من صفات الحدث والذم . وأصل الكبر والكبرياء الامتناع وقلة الانقياد . وقال حميد بن ثور :

عفت مثل ما يعفو الفصيل فأصبحت بها كبرياء الصعب وهي ذلول

والكبرياء في صفات الله مدح ، وفي صفات المخلوقين ذم . وفي الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال : ( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قصمته ثم قذفته في النار ) . وقيل : المتكبر معناه العالي . وقيل : معناه الكبير لأنه أجل من أن يتكلف كبرا . وقد يقال : تظلم بمعنى ظلم ، وتشتم بمعنى شتم ، واستقر بمعنى قر . كذلك المتكبر بمعنى الكبير . وليس كما يوصف به المخلوق إذا وصف بتفعل إذا نسب إلى ما لم يكن منه .

ثم نزه نفسه فقال : سبحان الله عما يشركون أي تنزيها لجلالته وعظمته عما يشركون .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022